تجنيس السوريين بتركيا.. بين شكوى بطء الإجراءات ومواقف الدولة والمجتمع
انقضى أكثر من عام على تقديم الشاب السوري نضال الشعار أوراقه للحصول على الجنسية التركية، لكن ملفه ما زال منذ ذلك الوقت حبيس الأدراج بالمديرية العامة للهجرة وشؤون الأجانب في مدينة إسطنبول.
ويقول الشعار (28 عاما) وهو أب لطفلين إنه يحمل بطاقة إقامة عمل تركية رسمية مسجلة في إسطنبول، ويعمل منذ وصوله عام 2013 في ورشة لتصليح السيارات بمنطقة ألتن شهير بإذن عمل رسمي، مشيرا إلى أن صاحب العمل يجدد التأمين الصحي ووثيقة الضمان الاجتماعي الخاص به أيضا.
ولم يسبق للشعار، وهو من مدينة إدلب، أن تعرض لأي توقيف أو اعتقال، مؤكدا في حديث للجزيرة نت أن اسمه لا يحمل أي شبهة أمنية أو جنائية، ولو كانت من قبيل تشابه الأسماء، لكن رغم ذلك ما زال ملفه يراوح مكانه.
معوقات التجنيس
ويشكو كثير من السوريين المتقدمين للجنسية من بطء الإجراءات الرسمية، ويتهمون دائرة الهجرة بتعطيلها دون مسوغات قانونية رغم استيفائها للمتطلبات القانونية.
غير أن المسؤولين بدائرة الهجرة أكدوا أن ملفات كثيرة للمتقدمين للتجنيس ما زالت في طور المراجعة، إما لاستكمال نواقص في تفاصيلها، أو تعارض بين بياناتها وبين المعلومات الموثقة لدى النظام المركزي وشيفرة الدولة، وأحيانا غياب الدقة عن تلك البيانات.
وأوضح مسؤول من الدائرة، طلب عدم ذكر اسمه، أن بعض المراجعين يحضرون على سبيل المثال صورة شهادة جامعية، أو شهادة الثانوية العامة "البكالوريا" السورية بعد ترجمتها للتركية، وتصديقها من كاتب العدل، لكنهم يفشلون في إبراز النسخة الأصلية التي حصلوا عليها من بلادهم، رغم أن ذلك أحد متطلبات متابعة الإجراءات.
ويوضح المسؤول نفسه في تصريح للجزيرة أن ما يراه المراجعون "إجراء بسيطا" يمثل في دوائر العمل الرسمي إخلالاً بشروط التجنيس يستوجب إيقاف المعاملة حتى تقدم الوثيقة المطلوبة.
وحسب المسؤول التركي فإن التقديم للجنسية متاح بسهولة للسوريين في كافة ولايات البلاد، لكن عليهم تقديم ملزمة (مجموعة أوراق) تختلف بحسب ظروف المتقدم بين الجنسية الاستثنائية، وجنسية حملة إقامات العمل، وجنسية المتزوجين، أو حملة الشهادات العليا والكفاءات العلمية والمهنية.
موقف الدولة
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن -في حديث متلفز الأسبوع الماضي- عزم بلاده رفع أعداد السوريين الحاصلين على الجنسية مؤكدا أن أنقرة منحت الجنسية حتى اليوم لــ 110 آلاف سوري، ومنحت الإقامة لما يزيد على مئة ألف آخرين.
وتمنح تركيا جنسيتها بشكل عام عبر أربعة مداخل هي الإقامة بغرض العمل بشكل متواصل لمدة خمس سنوات، أو الزواج من مواطن أو مواطنة تركية، أو الجنسية الاستثنائية التي تمنح في الحالات الخاصة جدا، أو عن طريق استثمار مبلغ لا يقل عن 250 ألف دولار لمدة ثلاثة سنوات على الأقل.
ويعد كل السوريين المقيمين بصورة نظامية في تركيا مرشحين للتقدم للجنسية، مع تفاوت كبير في المعايير وفقا لطبيعة الإقامة، فمن لا يحمل إذن العمل منهم تنطبق عليه كثير من معايير الجنسية الاستثنائية، وسبق لأنقرة أن أعلنت في وقت سابق بأنها تخطط لتجنيس ثلاثمئة ألف سوري.
كما تمنح الإقامة "طويلة الأمد" التي يطلق عليها أحيانا "الإقامة الدائمة" لمن تجاوزت فترة إقامته بصورة نظامية وشرعية في البلاد مدة عشر سنوات، لكن قلة قليلة يتقدمون لهذه الإقامة نظرا للتشابه الكبير بين متطلباتها ومتطلبات الجنسية.
وتستند فلسفة حزب العدالة والتنمية الحاكم في منح السوريين الجنسية إلى مبدأ رفع فرصهم في الاندماج بالمجتمع المحلي للتخفيف من حالة اللجوء وتبعاتها، وتحويلهم عوضا عن ذلك إلى أفراد منتجين في المجتمع.
ويقول مراقبون إن السلطات وسعت أبواب إدماج السوريين بصفتهم كبرى الجاليات في البلاد، فمنحتهم امتيازات خاصة وحصرية في التعليم والاستثمار والتشغيل، ورفعت عنهم قيودا كثيرة مفروضة على بقية الأجانب.
صرامة المعارضة
لكن المعارضة لا تشاطر الدولة هذا التوجه، فقد طالبت زعيمة الحزب الصالح ميرال أكشينار بالعمل على ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلدهم وفق ثلاث مراحل، ودعت في ورشة عمل بالعاصمة أنقرة الأسبوع الفائت إلى تعاون واسع بين المؤسسات وإشراك النظام السوري المراحل الثلاث.
ويضع المحلل السياسي التركي عرفان أكتان موقف المعارضة المتصلب تجاه ملف السوريين في خانة "تصاعد العنصرية" في البلاد، وقال في ندوة سابقة إن هذا الملف يجري استدعاؤه بقوة في المحطات الانتخابية.
وأما سيبل توكتامش الباحثة بجامعة آيدن فتعتقد أن الخلفية القومية لأكشينار تمثل المرجعية الأساس الذي يفسر رفض حزبها تجنيس السوريين، مؤكدة أن قطاعا واسعا من الأتراك يرفض إدماج المجنسين أو "الأتراك الجدد" بالبيت التركي.
وتقول الباحثة -في تصريح للجزيرة نت- إن هناك عوامل أخرى أكثر ديناميكية في بناء مواقف المجتمع من السوريين، ومنها التنافس الاقتصادي إضافة إلى التحشيد الإعلامي والدعاية "البروباغندا" التي تسهم كثيرا في بناء مواقف المجتمع تجاه قضايا كثيرة.
المصدر/ الجزيرة نت