كيف يبدو الاستقرار في القرى التركية للأجانب؟
يبدو الانتقال إلى قرية صغيرة جذابة في أراضي الأناضول تحولاً مثيراً من حياة المدينة بكافة تعقيداتها والتزاماتها إلى حياة ريفية هادئة ساكنة. فهل يخشى البعض منا خوض هذه التجربة؟
نستعرض في مقالنا هذا أهم العناصر والأساسيات الواجب اعتبارها، لدى اتخاذ أي أجنبي قرار العيش والاستقرار في قرية تركية.
بالرغم من شهرة مدينة إسطنبول الواسعة كعاصمة اقتصادية تزخر بالحياة والتجارة والأعمال، إضافة إلى أهم وجهات العطلات الشهيرة في تركيا، فإن بقية ولايات البلاد البالغ عددها 81 ولاية، تتكون من تجمعات سكنية تم تصنيفها في السابق على أنها قرى أو بلدات.
ومنذ عام 2014 تم تصنيف 18.291 قرية بشكل رسمي في جميع أنحاء البلاد بعد أن كان هذا الرقم يقرب من 35.000 قرية في عموم تركيا، حيث تحولت القرى التي تضم أكثر من 2000 شخص إلى بلدات.
ومن هنا نرى أنه مع وجود عشرات الآلاف من القرى، لا تزال تقاليد وعادات المدن الصغيرة سائدةً إلى حدٍ كبير في المجتمع التركي، ويفضل للأجنبي المقيم فيها أن يتعرف إلى طبيعة الحياة الريفية ويتآلف معها كي تسهل معيشته ويبني لنفسه وسطاً اجتماعياً محباً ومتسامحاً يمكّنه من الاندماج والتأقلم وإيجاد الراحة المنشودة.
البحث عن منزل
الخطوة الأولى في البحث عن منزل للإيجار أو التملك في قرية تركية هي زيارة المختار، فهو المسؤول المنتخب محلياً، وهو بالتأكيد على علمٍ بجميع الأمور الجارية في القرية. كما يمكن لأعيان القرية أو أصحاب مكاتب العقارات فيها أن يقدموا معلومات مفيدة عن المنازل المناسبة، وقد يعرضون على الأجنبي وفقاً للعرف التركي في الضيافة، مرافقته في جولة على أماكن الإقامة المذكورة بأنفسهم.
أما العثور على عقارات مدرجة على مواقع الويب عبر الإنترنت، فهو غير متاح بالشكل المطلوب لأن معظم معاملات الملكية تتم وفقاً لتقاليد القرية عن طريق الأحاديث الشفهية والأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء، لذلك لا بد من القيام بالبحث والتجول في المنطقة المراد اكتشاف المزيد عنها.
تعد المنازل التركية التقليدية صغيرة ومعظمها مبني من الحجر، وفيها عدد قليل من النوافذ والحمّامات، وفي كثير من الحالات يُفصل المطبخ عن المبنى الرئيسي.
وللمراحيض فيها طراز خاص يبدو شاق الاستعمال ويختلف عن الطراز الغربي المريح، لكنه أفضل من الناحية الصحية. أما سبب وجود عدد قليل من النوافذ في البيوت الريفية فلا يرجع لعزل البيت والمحافظة على دفئه شتاءً وبرودته صيفاً فحسب، ولكنه أيضاً لضمان عدم اكتشاف موقع المنزل من قبل قراصنة البحر المحتملين الذين اعتادوا الإغارة على القرى منذ مئات السنين. مما يفسر وجود العديد من القرى في الغابات أو الجبال بعيدة عن البحار.
القرى التركية تعكس أصول الضيافة الحقيقية
قد تبدو القرى في بعض المناطق التركية منعزلة ومغلقة على نفسها، لكنها تعد مثالاً مطلقاً للضيافة التي يشتهر بها الأتراك.
وغالباً ما يكون مجرد الجلوس لتناول الشاي أو القهوة مع عدد قليل من السكان المحليين هو مفتاح الحصول على كل المساعدات والخدمات اللازمة حول المنازل أو الأماكن أو المناطق المحيطة.
كما يعد قبول دعوات الطعام والهدايا السخية التي يجود بها أبناء القرية باباً واسعاً للتعارف وكسر الوحشة وفهم الأعراف والتقاليد الخاصة بهذا المجتمع الصاخب الصامت.
فالاتراك يفرحون بمشاركة طعامهم وشرابهم ويحب القرويون بشكل خاص تقديم منتجاتهم المعدة بعناية مثل الشاي أو الجبن أو الزيتون أو الفواكه والخضروات.
وعلى الوافد قبولها بامتنان ظاهر ومعرفة أن قيامهم بذلك ينبع من صلب عاداتهم الموروثة وأنهم يقدمون الهدايا من أعماق قلوبهم.
ويفضل للأجنبي الزائر احترام أسلوب حياتهم وتقاليدهم وعدم التشكي إذا كانت المنازل أو الخدمات الأخرى لا تتوافق مع المعايير المطلوبة، لأن ما يقدمونه أو يعرضونه قد يكون ذا مكانة خاصة جداً في قلوبهم كبعض المنازل التي تُبنى على يد الأجداد ويتوارثها الأبناء والأحفاد.
حياة القرى التركية ذاتية ومستدامة
لا تزال الزراعة وتربية الماشية سائدين إلى حد كبير في المناطق الريفية في تركيا، وبعض القرويين يمتلكون مزارع كاملة، بينما يكون لدى غالبية الأسر الأخرى عدد قليل من الماشية التي يعتنون بها لتغطية احتياجاتهم من منتجات الألبان والبيض.
ويعد ترك الأبقار والأغنام وخاصة الدّجاج لتتجول بحرية من الأمور الاعتيادية والمألوفة في القرى التركية، كما أن معظم الحيوانات تعرف بغريزتها كيف تسلك طريقها إلى الحظائر. كذلك يمكن أن تتسبب قطعان الأغنام أو الماعز في اختناقات مرورية في ساعات الذروة، لذلك لا بد من الهدوء واللطف في التعامل مع نمط الحياة البطيئة التي تسود القرى، لأن هذه الطريقة في العيش، فريدة وقد تكون هي الطريقة الصحيحة للحياة في هذا العصر.
المصدر : ديلي صباح