متى فُرِض صيام شهر رمضان المبارك؟
يعد صيام شهر رمضان، من الأركان الأساسية الخمسة التي بُني عليها الإسلام، وفُرِضَ صيام الشهر الفضيل في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، وذلك بعد تحويل القِبلة إلى الكعبة المُشرَّفة بشهرٍ تقريباً.
وقِيل إنّ فَرْض الصيام كان لليلتين من شهر شعبان من السنة الثانية، وبذلك وجب صيام شهر رمضان المبارك على كلّ مسلمٍ امتلك القدرة عليه، وكان بالغاً، عاقلاً، مُقيماً، خالياً من أيّ مانعٍ من موانع الصوم، وقد ثبت ذلك الوجوب في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع العلماء، وبيان تلك الأدلّة فيما يأتي:
من الكتاب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، الآية 183 من سورة البقرة.
من السنة النبوية الشريفة، أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: “بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ”.
ومن الإجماع، أجمع علماء الأمة الإسلامية على وجوب صيام شهر رمضان وفرضيّته، وأنّه من أمور الدِّين المعلومة بالضرورة.
مراحل فَرْض الصيام: اختصّت الشريعة الإسلاميّة بعدّة مبادئ، منها: التدرُّج في إقرار الأحكام رعايةً للظروف، وطبيعة النفوس، وما جُبِلت عليه من عاداتٍ ومبادئ، ويستند مبدأ التدرُّج إلى تشريع الأحكام الشرعيّة التي تتناسب مع طبيعة الظروف، والأشخاص، والنفوس، مع الحرص على رفع الحرج، وعدم إلحاق أيّ بأسٍ أو ضررٍ، ثمّ إقرار الأحكام التي لا تتغيّر ولا تتبدّل بتغيُّر المكان أو الزمان، ومن الأحكام التي تدرّج إقرارها الصيام.
وفيما يأتي بيان كلّ مرحلةٍ من المراحل التي مرّ فيها:
المرحلة الأولى: فُرِض صيام العاشر من شهر مُحرّم، وهو يوم عاشوراء، في المرحلة الأولى من الصيام، وكانت قريش تصومه في الجاهليّة، كما كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يصومه في مكّة قبل الهجرة، وبعد الهجرة إلى المدينة المُنوّرة صامه أيضاً، وأمر المسلمين بصيامه، ثمّ خيَّرهم بين صيامه وإفطاره حين فُرِض صيام رمضان، أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: “مَن شَاءَ صَامَهُ، ومَن شَاءَ تَرَكَهُ”، وفُرِض صيام عاشوراء في السنة الأولى من الهجرة، ثمّ نُسِخ فَرضه بِفْرض صيام رمضان في السنة الثانية.
المرحلة الثانية: نسخ الله -تعالى- وجوب صيام يوم عاشوراء بفرضيّة صيام رمضان على التخيير بين أداء الفِدية والصيام، كما ورد في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، الآية 183-184 من سورة البقرة.
المرحلة الثالثة: نُسِخت المرحلة الثانية من صيام شهر رمضان بفَرْضه على كلّ مسلمٍ دون تخييرٍ، ونُسِخت الآيات السابقة بقول الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الآية 185 من سورة البقرة، وعلى ذلك استقرّ الصيام، بالامتناع عن أيّ مُفطِرٍ من المُفطِرات، منذ طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وطيلة شهر رمضان.