كيفية صلاة الضّحى وعدد ركعاتها وفضائلها
تعرّف صلاة الضحى اصطلاحاً بأنها الصلاة التي تؤدّى فيما بين ارتفاع الشمس إلى زوالها، ويُقصد بزوال الشمس: أي ميلها عن وسط السماء نحو الغرب.
يبدأ وقت صلاة الضحى بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، أي بعد خمس عشرة دقيقة تقريباً، وينتهي قبيل الزوال، وهذا ما نص عليه الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية، وأفضل وقتٍ لأدائها وهو وقت الاستحباب عند علوّ الشمس واشتداد حرّها، ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك، واستدلّوا بما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (صَلَاةُ الأوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ)، أي حين تشتد حرارة الشمس، والفصال هي أولاد الإبل، ويُعلم من ذلك أن آخر وقتها قبيل الزوال، ويسمّى بقائم الظهيرة، وهو الوقت الذي نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة فيه لأنه وقت كراهة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ)، وقد قدّره بعض العلماء بنحو عشر دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر.
إن صلاة الضحى نافلةٌ مستحبّةٌ، وهذا ما اتّفق عليه فقهاء المذاهب الأربعة: الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنابلة، واستدلوا على قولهم بما رواه الصحابي أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يُصْبِحُ علَى كُلِّ سُلَامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذلكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُما مِنَ الضُّحَى)، ولكن قال بعض فقهاء الحنابلة بعدم استحباب المحافظة عليها حتى لا تشتبه بالفرائض والواجبات، حيث رُوي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنّه قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يصلِّي الضُّحَى حتى نقولَ: لا يَدَعُها، ويَدَعُها حتى نقولَ : لا يصلِّيها).
رُويت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على عِظم فضل صلاة الضحى ومكانتها، منها ما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، إذ قال: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بثَلَاثٍ لا أدَعُهُنَّ حتَّى أمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وصَلَاةِ الضُّحَى، ونَوْمٍ علَى وِتْرٍ)، ورُوي أيضاً عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أنه رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقالَ: (أَما لقَدْ عَلِمُوا أنَّ الصَّلَاةَ في غيرِ هذِه السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: صَلَاةُ الأوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ)، ومما يدل على فضل صلاة الضحى ما رواه أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يُصْبِحُ علَى كُلِّ سُلَامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذلكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُما مِنَ الضُّحَى)، والسّلامى هي التعظام والأعضاء في جسم الإنسان، وقوله في الحديث: "ويجزئ عن ذلك"؛ أي يسدّ عن ذلك ويقوم مقامه أداء ركعتي صلاة الضحى، وفي ذلك فضلٌ عظيمٌ ظاهرٌ لصلاة الضحى.
ووصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلاة الضحى لأبي هريرة وأبي الدرداء -رضي الله عنهم- تدلّ على عظم فضلها، لا سيّما أن النبي إذا أوصى أحداً فحينئذٍ وصيّته لجميع الأمة كذلك، إذ لم يرد تخصيص في ذلك، وممّا ورد في فضلها ما جاء في الحديث الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من صلَّى الغداةَ في جماعةٍ ثم قعد يذكرُ اللهَ حتى تطلعَ الشمسُ ثم صلَّى ركعتيْنِ كانت لهُ كأجرِ حجَّةٍ وعمرةٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ)،[١٧] قال المباركفوري رحمه الله: "قوله: (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ)، أي: بعد طلوع الشمس"، وهي تدلّ على صفة جميلة في العبد، وهو أنه أوّاب؛ أي كثير الرجوع إلى الله عز وجل، لا سيّما إذا صلّاها في آخر وقتها؛ وهو الوقت المستحب كما وُضِّح سابقاً، وصلاة الضحى صلاةٌ تشهدها الملائكة، يدلّ على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن عبسة رضي الله عنه: (صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حتَّى تَرْتَفِعَ... فإنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ).
أمّا بخصوص عدد ركعاتها، فقد اتّفقت المذاهب الفقهية الأربعة؛ المالكية، والشافعية، والحنبلية، والحنفية على أن أقل عددٍ لركعات صلاة الضحى ركعتين، واستدلوا على ذلك بالحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- والذي سبق ذكره، كما أنه لم يُنقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه صلّى الضحى أقل من ركعتين، بالإضافة إلى أنّ أقل ما يشرع في الصلاة ركعتين باستثناء صلاة الوتر، ولذلك فلا يجوز التطوّع بركعةٍ واحدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أن أهل العلم اختلفوا في تحديد أكثر عددٍ لركعات صلاة الضحى.
اختلف أهل العلم في صفة صلاة الضحى؛ أي كيفية أدائها، حيث ذهب جمهور الفقهاء، إلى أنها تؤدى مثنى مثنى، والمقصود أي أن يسلّم المصلي بعد كل ركعتين، واستدلوا بذلك لما جاء في حديث أم هانئ -رضي الله عنها- حيث قالت: (يسلّمُ من كل ركعتينِ)، فيما قال الحنفية، بأنها تؤدى أربع ركعاتٍ بتسليمةٍ واحدةٍ.
ما بالنسبة لما يُقرأ فيها؛ فيقرأ المصلّي ما تيسّر من سور القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة، سواء أكانت سورة قصيرة أم طويلة أم آيات من القرآن الكريم، فلا يلزم تخصيص سور بعينها، فقراءة ما بعد الفاتحة سنة من السنن، أما الفاتحة فواجبة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى استحباب قراءة سور معينة فيها، حيث ذهب الشافعية إلى استحباب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص، لأن الإخلاص تعدل نصف القرآن، والكافرون تعدل ربعه، فيما ذهب بعض أهل العلم إلى مشروعية قراءة سورتي الشمس والضحى في صلاة الضحى، واستدلوا بالحديث الذي رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسندٍ ضعيفٍ أنه قال: (صلُّوا رَكعتيِ الضُّحى بسورتَيهِما والشَّمسِ وضُحاها والضُّحى).
لكن يُعلم كذلك مما سبق أن في الأمر سعة، ومن صفة صلاة الضحى أنها صلاةٌ سرّية لا يُجهر بالقراءة فيها، لأن الصلاة النهاريّة سرية، ولا يوجد دليلٍ على الجهر فيها، لا سيّما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يجهر فيها.