الدحيّة الفلسطينية.. تراث أصيل لم يسلم من اعتداءات الاحتلال
يعد التراث الفلسطيني، الأغنى على الساحة العربية، من حيث الدبكات والرقصات الشعبيّة، ومنها رقصة "الدحيّة"، وهي نوع من أنواع التراث الشعبي الفلسطيني التي يشارك فيها شاعر واحد وأحياناً شاعران، خاصة إذا كانت هناك مبارزة بينهما.
كانت رقصة الدحيّة قديماً تُمارس قبل الحروب لإثارة الحماسة بين أفراد القبيلة، وكذلك بعد انتهاء المعارك، حيث يتم وصف بطولات المعركة، إلى أن صارت بعد ذلك تُمارس في المناسبات والأعراس والاحتفالات.
ويعتبر تراث “الدحيّة” من موروثات التي بقيت متأصلة حتى الآن، لما يحمله من لمسات جمالية وروح أصيلة ليس من السهل التخلي عنها، فهو عبارة عن رقصة بدويّة قديمة، تردّد خلالها كلمات وعبارات قد لا تكون مفهومة عند البعض، خاصة الذين لم يعيشوا حياة البداوة.
واجتاحت "الدحيّة" البدوية، في الآونة الأخيرة، الأفراح والمناسبات في قطاع غزة، وصارت بعض المحلات والسائقين والباعة يشغّلون مكبرات الأصوات بها لجلب الزبائن والمواطنين وجذب انتباههم تجاه البضائع والسلع، وانتشرت بسبب التحديثات التي أدخلها بعض الشباب البدوي عليها، فصارت فناً تراثياً يربط بين القديم والمعاصر.
وانتشرت الفرق الحديثة التي تؤدي الدحيّة، وكثر إقبال المتزوجين الجدد عليها، لأنها تقدّم الألوان الشعبية التراثية المرتبطة بالأصالة، كما أن تكلفتها الماديّة أقل من الفرق التي يُشارك فيها فنانون كبار.
تُؤدَى الدحيّة بشكل جماعي من خلال اصطفاف الرجال في صف واحد أو صفين متقابلين، ويغني شخص أو اثنان بكلمات بدوية تراثية، فيما يصفق الرجال بجانبه، ويردد الصفان بالتناوب الردادة، أي البيت المتفق عليه سلفاً، بالتدرج بين كل بيت شعر يلقيه الشاعر، وتُؤدى بأسلوب قصصي، هو جوهر ما تم الاجتماع عليه كموضوع قصصي لمعركة ما أو وصف لديار أو هجاء أو مدح، ويستعمل التصفيق كلون إيقاعي، وهي تتميز بالحماس في الأداء الحركي.
حيث اجتاحت الدحيّة الأفراح في فلسطين، في الآونة الأخيرة، وأصبح لا يمر فرح أو مناسبة إلا وكانت الدحيّة حاضرة، سعياً من هذا الجيل التمسك بالتراث والأصالة مع بعض الإضافات الحديثة، خاصة من ناحية الآلات الموسيقية التي لم تكن موجودة سابقاً، وهي ما أدى إلى المزج بين القديم والحديث في أنغام رقصة الدحية.
ولا تخلو حفلات الدحيّة من الموضوعات السياسية والاجتماعية، خاصة القضايا الفلسطينية، مثل قضية الأسرى والقدس، وغزة، والمقاومة، الأمر الذي أدى إلى إقبال شريحة كبيرة على هذا الفن والتعامل معه، لأنه من الحياة اليوميّة لأبناء الشعب الفلسطيني. كما أن الفلسطينيين يحرصون على توريث تراثهم الشعبي من جيل إلى آخر، خوفا عليه من الطمس والضياع، وحفاظا على هويتهم من الاندثار.
وخلال هذا الأسبوع، قامت قوات الاحتلال باعتقال الفنان الفلسطيني معين الأعسم، وأخضعته للتحقيق، بسبب ثنائه على انتصار المقاومة ودعمه صمود غزّة ضد العدوان الصهيوني، أثناء أدائه “الدحيّة” بأغنية حملت عنوان “غزة بلاد الكرامة”.