ما هي الدروس المستفادة من الهجرة النّبوية الشّريفة؟
لم يكن حادث الهجرة النّبويّة الشّريفة حادثًا عاديًّا بل كان حدثًا تاريخيًّا غاية في الأهميّة، ومنعطفًا رئيسيًّا في تاريخ الأمّة الإسلاميّة، اتّخذ الفاروق مناسبته سببًا للتّأريخ فكان كلّ حدثٍ بعد ذلك يؤرّخ بهذه المناسبة الجلل، فما هي أعظم الدّروس التي يمكن استنباطها من حادثة الهجرة النّبويّة الشّريفة؟
1- الأخذ بالأسباب: لقد بذل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصاحبه أبوبكر الصّدّيق -رضي الله عنه- كل ما في طاقتهما لإنجاح عملية الهجرة، وهذا هو الإعداد المطلوب من المؤمنين، أن يُعِدُّوا ما يستطيعون، وما فوق الاستطاعة ليس مطلوبًا منهم.
2- الاعتماد على الله: لم يعتمد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- على الأسباب وترك رب الأسباب، حاشا لله، إنما كان يعلم أن الأسباب لا تأتي بنتائجها إلا إذا أراد الله، ولذلك فبعد أن بذل أسبابه كاملة تحلَّى بيقين عظيم في أنَّ ما أراده الله سيكون، ظهر ذلك في كلمته الرائعة: "مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟".
3- الأمل والثقة في النصر: لم يفقد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- روح الأمل في أي لحظة من لحظات حياته، حتى في هذه الرحلة الخطرة، وهو يخرج من مكّة بهذه الطريقة، وهو مطلوب الرأس، لا يأمن على حياته ولا على حياة أصحابه -رضوان الله عليهم-، إذا به يبشر سراقة ليس فقط بظهور الإسلام على قريش أو على العرب، بل وبسقوط عرش كسرى تحت أقدام المسلمين، وأَخْذ كنوز كسرى غنيمة، "كَأَنِّي بِكَ يَا سُرَاقَةُ تَلْبَسُ سِوارَيْ كِسْرَى".
4- حرص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الصحبة: رأينا حرص رسول الله في كل مراحل حياته، وفي كل خطوات دعوته على مسألة الصحبة، عاش حياته في مكّة بصحبة، وخرج إلى الطائف بصحبة، وقابل الوفود بصحبة، وعقد البيعة التي بنيت عليها دولة الإسلام بصحبة، وها هو يسأل جبريل -عليه السّلام- عن صاحبه في الهجرة، كل هذا، وهو من هو، هو رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ولكن كل الناس يحتاج إلى صحبة، وهو يعلمنا أن نبحث دائمًا عن الصحبة الصالحة، لقد سطَّر رسول الله قاعدة إسلاميّة أصيلة: "الشَّيْطَانُ مِعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ".
5- رسول الله.. القائد القدوة: وضح لنا في هذه الرحلة كيف أن القائد العظيم كان يعيش معاناة شعبه، يهاجر كما يهاجرون، يُطارد كما يُطَاردون، يتعب كما يتعبون، يحزن كما يحزنون، يعيش معهم حياتهم بكل ما فيها من آلام وتضحيات.
6- الدعوة في كل مكان وزمان: رأينا كيف أن الدعوة في دمّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، لا يضيع فرصة، ولا يرتبط بظرف، يدعو كل من يستطيع، رأيناه كيف دعا إلى الإسلام بريدة وأصحابه -رضي الله عنهم- من قبيلة أسلم ولم يكن همّه الرئيسي كيف يبحث عن وسيلة للهرب من بريدة.
7- استعداد الصّدّيق للعمل لله تحت أي ظرف: رأينا في هذه الرحلة استعداد الصّدّيق -رضي الله عنه- للعمل لله تحت أي ظرف، وفي كل زمان ومكان، القضية في منتهى الوضوح عند الصّدّيق، أهم شيء في حياة الصّدّيق هو أن يرضي الله ورسوله.
8- حب الصّدّيق لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: رأينا كيف يحب الصّدّيق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وكيف لا ينتظر أمرًا ولا طلبًا، إنما يجتهد في إتقان حبِّه لرسول الله ، يجهز له راحلة، يبكي من الفرح لصحبته، ينظف له الغار، يسير أمامه وخلفه حماية له، وغير ذلك من المواقف التي ذكرنا بعضها ولم نذكر أكثرها.
9- بذل وعطاء الصّدّيق للدعوة: رأينا بذل الصّدّيق -رضي الله عنه-وعطاء الصّدّيق وإنفاق الصّدّيق ، يأخذ خمسة آلاف درهم، هي كل ما يمتلك لينفقها على دعوته، وقبلها أنفق خمسة وثلاثين ألف درهم في سبيل الله.
10- جهد الداعية مع أهل بيته وعشيرته: شاهدنا في قصة الهجرة أمرًا لا بد أن نقف معه وقفة، أرأيتم كيف استعمل الصّدّيق عائلته كلها في سبيل الله؟ أرأيتم كيف استعمل عبد الله ابنه في نقل الأخبار؟ وكيف استعمل أسماء ابنته في نقل الطعام والشراب؟ وكيف استعمل عامر بن فهيرة مولاه في إخفاء آثار الأقدام؟ صلى الله على سيدنا وشفيعنا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.