قصة مقولة "دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا" والهدف منها
يحكي أنه كان هناك تاجر قماش له محل وبضاعة يتاجر فيها، فأتت إلية امرأة لتشتري منه فأعجب بها الرجل وزينها له الشيطان، فما كان من هذا التاجر غير أنه مسك يدها، فقالت له هذه المرأة ( اتق الله).
أثّرت تلك الجملة في البائع فترك يدها وقال “لا خير في يوم يبدأ بالحرام” وأغلق محلة وتوجه إلي منزله.
فعندما دخل بيتة وجد زوجته تبكي فقال لها: ما يبكيك؟، فقالت له: "كان السقا هنا يملئ الماء ومسك بيدي، فقلت له اتقي الله فاستغفر الله ومشي.
فقال التّاجر مقولته تلك المشهورة “دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا”.
قد تكون تلك القصة حقيقية أو غير حقيقية، هذا لا يهم ولكن تلك القصة يجب أن نأخذ منها العبرة والعظة، ونعلم أنه كما نفعل سوف يتم فعله بنا، و"كما تدين تدان"، وقصة هذا السقا خير دليل على ذلك فأحسنوا إلى الناس حتي يحسنوا إليكم، ولا تتلاعبوا بفتيات النّاس حتى لا يأتي من يتلاعب بفتياتكم وزوجاتكم، واعلموا أنه ” كما تدين تدان ” .
وقيل أنه في مطلع القرن الماضي، وقعت قصة حقيقية في مدينة الموصل شمال العراق، بطلها تاجر صاحب خلق ودين واستقامة وكثير الانفاق على أبواب الخير من الفقراء والمعوزين وباني المساجد ومشاريع الخير، فلما كبرت به السن وكان له ولد وبنت، وكان كثير المال ذائع الصيت، فأراد أن يسلم تجارته لابنه.
حيث كان التاجر يشتري من شمال العراق الحبوب والأقمشة وغيرها ويبيعها في الشام ويشتري من الشام الزيوت والصابون وغير ذلك ليبيعه في العراق، فبعد أن جلس مع ابنه وأوصاه وعرّفه بأسماء تجار دمشق الصادقين، ثمّ أوصاه بتقوى الله إذا خرج للسفر وقائلا: ( يا بني، والله إني ما كشفت ذيلي في حرام، وما رأى أحدٌ لحمي غير أمّك، يا بنيّ حافظ على عرض أختك بأن تحافظ على أعراض النّاس).
وخرج الشاب في سفره وتجارته، وباع في دمشق واشترى وربح المال الكثير، وحمّله تجّار دمشق السلام الحار لأبيه التاجر التقيّ الصالح، وخلال طريق العودة وقبيل غروب شمس يوم وقد حطّت القافلة رحالها للراحة، أما الشاب فراح يحرس تجارته ويرقب الغادي والرائح، وإذا بفتاة تمرّ من المكان، فراح ينظر إليها، فزيّن له الشيطان فعل السوء، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء، فاقترب من الفتاة وقبّلها بغير إرادتها قبلة، ثمّ سرعان ما انتبه الى فعلته وتيقّظ ضميره، وتذكّر نظر الله إليه، ثمّ تذكّر وصية أبيه، فاستغفر ورجع الى قافلته نادماً مستغفراً .
فينتقل المشهد الى الموصل، وحيث الابن ما زال في سفره الذي وقع فيه ما وقع، حيث الوالد في بيته يجلس في علّيته وفي زاوية من زواياها، وإذا بساقي الماء الذي كان ينقل إليهم الماء على دابته يطرق الباب الخارجي لفناء البيت، وكان السّقا رجلاً صالحاً وكبير السن، اعتاد لسنوات طويلة أن يدخل البيت، فلم يُر منه إلا كلّ خير.
خرجت الفتاة أخت الشاب لتفتح الباب، ودخل السقا وصبّ الماء في جرار البيت بينما الفتاة عند الباب تنتظر خروجه لتغلق الباب، وما أن وصل السقا عند الباب وفي لحظة خاطفة زيّن له الشيطان فعل السوء، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء فالتفت يميناً وشمالاً، ثمّ مال الى الفتاة، فقبّلها بغير إرادتها قبلة، ثم مضى، كل هذا والوالد يجلس في زاوية من زوايا البيت الواسع يرى ما يجري دون أن يراه السّقا، وكانت ساعة الصمت الرهيب من الأب، ثم الاسترجاع أن يقول ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون )، ثم الحوقلة ( لا حول ولا قوّة إلا بالله ).
وأدرك أنّ هذا السّقا الذي ما فعل هذا في شبابه فكيف يفعلها اليوم، وأدرك أنّما هو دينٌ على أهل البيت، وأدرك أنّ ابنه قد فعل في سفره فعلة استوجبت من أخته السداد، ولمّا وصل الشاب وسلّم على أبيه وأبلغه سلام تجّار دمشق، ثمّ وضع بين يديه أموالاً كثيرة ربحها، إلا أنّ الصمت كان سيد الموقف، وإنّ البسمة لم تجد لها سبيلاً الى شفتيه، سوى أنّه قال لابنه : هل حصل معك في سفرك شيء، فنفى الابن، وكرّرها الأب، ثمّ نفى الابن، الى أن قال الأب: ( يا بني، هل اعتديت على عرض أحد؟ )، فأدرك الابن أن حاصلاً قد حصل في البيت، فما كان منه إلا أن اعترف لأبيه، ثمّ كان منه البكاء والاستغفار والندم، عندها حدّثه الأب ما حصل مع أخته، وكيف أنّه هو قبّل تلك الفتاة بالشام قبلة، فعاقبه الله بأن بعث السقا فقبّل أخته قبلة كانت هي دين عليه، وقال له جملته المشهورة: ( يا بُنيّ دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقا)، أي أنّك قبّلت تلك الفتاة مرة فقبّل السّقا أختك مرة، ولو زدت لزاد، ولو فعلت أكثر من ذلك لفعل.