دروس وفوائد مستنبطة من سورة "مريم"
كان القرآن الكريم هو دستور الجماعة المسلمة الأولى بقيادة محمد -صلى الله عليه وسلم- ودستور البشرية إلى قيام الساعة، ولذلك أخذت سورة مريم حيزًا من هذا الكتاب العظيم لكثرة الافتراءات والاختلاف في هذه الطاهرة العفيفة، حيث تعتبر سورة مريم، أنها السورة الوحيدة التي تحمل اسم امرأة، ونقدّم لكم هذا المقال الذي نشره موقع "معلومات" حول فوائد من سورة مريم.
الرد على اليهود
اتّهم اليهود مريم -عليها السلام- بالفاحشة، كما في قولهم لها عندما رأوها تحمل عيسى -عليه السلام- وقد ذكر الله تعالى قولهم في سورة مريم، حيث قال: (فأتت به قومها تحمله ۖ قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا)، ولا تزال كتبهم إلى الآن تفتري على مريم، وابنها عيسى -عليه السلام- وتقول إنه ولد خطيئة، فرد الله تعالى عليهم ونفى أن تكون ولادة عيسى -عليه السلام- أمرا ناتجا عن سفاح، أو زنا، أو زواج.
تُوضح سورة مريم أن خلق المسيح كان كخلق آدم عليه السلام، حيث قال تعالى: (إن مثل عيسىٰ عند الله كمثل آدم ۖ خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)، وفي الآية الكريمة دليل على أن عيسى -عليه السلام- بريء من اتهام اليهود؛ فالله تعالى يخبر بأنه خلقه كما خلق آدم، ومن المعروف أن آدم -عليه السلام- خلق من غير أب ولا أم، ومن غير نطفة ولا بويضة، وإنما خلقه بأن قال له كن فيكون.
يدل قول الله تعالى في سورة مريم: (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا*فأجاءها المخاض إلىٰ جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هٰذا وكنت نسيا منسيا* فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا)، أن حمل مريم بعيسى عليه السلام إنما كان لساعات، وليس لأشهر كما حمل النساء بالوضع الطبيعي، كما قال معظم المفسرون؛ إذ إن قوله تعالى: فحملته، فانتبذت، أجاءها، أفعال مرتبة على بعضها معطوفة بحرف الفاء؛ مما يفيد التعقيب.
مناقشة النصارى في قضية اتخاذ الله تعالى للولد
من أهم الأمور التي وردت في سورة مريم؛ بيان وحدانية الله تعالى؛ إذ إن توحيد الله هو الأصل الذي لا يقبل من الإنسان أي عمل إن أخل به، بل قد يكون العمل الذي اختلط فيه شرك أو رياء وبالا على صاحبه.
دلت السورة على أن أعظم الذنوب على الإطلاق؛ هو الشرك بالله تعالى، فلو جاء الموحد ربه يوم القيامة بشتى الذنوب إلا أنه لا يشرك بالله شيئا، فربما يغفر الله تعالى ذنوبه ويعفو عنه، ولكن إن جاء ربه وهو مشرك، فلا غفران له، كما قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذٰلك لمن يشاء).
وبعد ذلك يبين الله تعالى قول اليهود والنصارى والمشركين من اتخاذ الله تعالى للولد، حيث قال تعالى في سورة مريم: (لقد جئتم شيئا إدا* تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا*أن دعوا للرحمٰن ولدا*وما ينبغي للرحمٰن أن يتخذ ولدا).
يُشير -عز وجل- إلى آثار ذلك الادعاء الباطل على الكون؛ إذ إن السماوات تكاد تتشقق، وتتكسر، وتسقط على الأرض، وتتصدع الأرض وتتقطع إلى أجزاء، وتنهار الجبال من شدة هذا الادعاء الذي يكاد يدمر الدنيا بما فيها.
قصة سيّدنا زكريا وولده يحيى عليهما السلام
ذكر الله تعالى زكريا عليه السلام الذي كان كفيلا لمريم -عليها السلام- وأسرته التي تعتبر أسرة مباركة ومن سلالة الأنبياء عبر العصور، وابنه يحيى -عليه السلام- الذي تجمعه صلة قرابة بعيسى -عليه السلام- فهما أبناء خالة، وفي ذلك رسالة مفادها أن عيسى -عليه السلام- آية من آيات الله تعالى ورسول من رسله، وليس كما يتهمه اليهود.
من أبرز الفوائد اللغوية في سورة مريم ما جاء في قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}، حيث تتحدث الآية الكريمة عن أمر الله للسيدة مريم عندما جاءها المخاض وهي بجانب النخلة بأن تهزَّ جذع النخلة لينزل عليها الثمر فتأكله وتتقوى به، وجاء فعل سقوط الثمر بصيغة “تُساقِط” ولم يأتي بصيغة “يسقط” والسبب أنَّ فعل تساقط في اللغة العربية يفيد التتابع والاستمرار في السقوط.
جاء الله تعالى بهذا الفعل ليشير لها بأن تهزَ النخلة لمرة واحدة فيسقط عليها الثمر باستمرار ويكفيها، فامرأة في المخاض لا تقوى على أن تهزَّ النخلة لأكثر من مرةٍ واحدة
في قوله تعالى: {يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمٰن فتكون للشيطان وليا}، تتحدث الآية الكريمة عن خوف إبراهيم على أبيه من عذاب جهنم إن هو أصر على كفره وعبادته للأوثان من دون الله، وقد جاء فيها على لسان نبيه إبراهيم -عليه السلام- أنه يخاف على أبيه أن يأتيه عذاب من الرحمن، فقرن العذاب باسم الله الرحمن ولم يقل من الله أو من أي اسم آخر.
يرجع السبب في ذلك إلى أن سورة مريم تحدثت في مجمل آياتها عن رحمة الله من بدايتها في قوله تعالى: {ذكر رحمت ربك عبده زكريا}، فهي سورة تفيض بالرحمة وجاء ذكر الرحمن فيها ست عشرة مرة، ولم يرد بسورة أخرى من سور القرآن الكريم مثل هذا التكرار لاسم الرحمن، فاختيار اسم الله الرحمن مناسب عموما لجو الرحمة في السورة الكريمة.
من أبرز الدروس المستفادة من سورة مريم ما يأتي:
- الجزاء من جنس العمل؛ فكلما ضحى العبد في سبيل الله وعظم جهده، عظم الأجر والغنيمة، وقد دلت آيات كثيرة على ذلك، ومنها أن الله تعالى وهب لإبراهيم عليه السلام الذرية الطيبة المباركة بعد طول حرمان، وذلك بعد أن هاجر في سبيل الله.
- الأخذ بالأسباب مع العلم أنها لا توصل إلى الغاية، وإنما هو أمر الله تعالى، وقد دل على هذا المعنى أمر الله تعالى لمريم -عليها السلام- بالأخذ بالأسباب وهز جذع النخلة وهي في قمة ضعفها، على الرغم من أنها لن تؤثر به شيئا، إلا أن الله تعالى بفضله أسقط الثمر عليها.
- إذا علم الإنسان خيرا فعمل به، هداه الله تعالى إلى مزيد من العلم، ووفقه للعمل به، فقد قال الله تعالى في سورة مريم: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى).