تعرّف معنا على لقمان الحكيم وأجمل ما علمنا من وصاياه
لقد وجَّه لقمان الحكيم وصاياه إلى ابنه فذكرها الله في سورة لقمان: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ}، وكانت عشر وصايا مختلفة وهي:
1- التحذير من الشرك بالله تعالى: ما عاقبة الإشراك بالله؟
قال تعالى في وصية لقمان الأولى: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وبذلك يحذر لقمان الحكيم ابنه من الشرك بالله العظيم، فالشرك بالله له أبوابٌ كثيرةٌ وأشكال عديدة، ومن ذلك يحذره من عبادة غير الله أو من دعاء الغائبين أو دعاء الأموات، فممّا روي عن النعمان بن البشير أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدُّعاءُ هو العبادةُ {قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}"، والدعاء لغير الله شكلٌ من أشكال الشرك.
2- الوصاية بالوالدين: ما حقُّ الوالدين على ابنهما؟
قال تعالى في وصية لقمان الثانية لابنه: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، أي على الولد أن يتّسم بالإحسان الدائم فهما من أحقّ النَّاس بحسن المعاملة، وقد وصَّى الله تعالى المرء بوالديه في غير موضعٍ من كتابه، وما ذلك التَّوكيد إلا ليدل أنَّ الإحسان إلى الوالدين هو رأس الواجبات الشرعية، وقد ربطت الآية الكريمة بين الشكر لله والشكر للوالدين كما ربطت السنة النبوية بين رضا الله -سبحانه- ورضا الوالدين.
ثم أتبع لقمان وصيته بقوله: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، وفي تلك الآية بيانٌ أنَّه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، وبذلك يكون الإحسان إلى الوالدين إحسانًا عامًّا سواء كانوا مشركين أم كافرين أو مؤمنين، أمَّا قضية طاعتهما في معصية الله فلا طاعة لهما بذلك، والله أعلم.
3- مراقبة الله وحفظ حدوده: هل يُحاسب الإنسان على صغائر الأمور؟
ومن وصايا لقمان العشر لابنه قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ ۚ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}، يبين لقمان الحكيم لابنه أنَّ الله يأتي بأعمال ابن آدم مهما قلَّت، وقد ذكر ابن كثير في ذلك أنَّ مظلمة ابن آدم أو خطيئته مهما قلَّت حتى لو بلغت مثقال ذرةٍ واحدة يأت بها الله، وبذلك يجزي الله عباده عن أعمالهم، فإن خيرًا فيجازيه الله بالخير، وإن شرًّا فلا يلقى إلّا شرًّا.
4- إقامة الصلاة: كيف تكون إقامة الصلاة؟
ومن وصايا لقمان الحكيم لابنه أن يقيم الصلاة، فقال جلَّ وعلا على لسانه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ}، وإقامة الصلاة حقًّا تكون من خلال إتمامها على أكمل وجه خاشعًا فيها، متمًا لشروطها وأركانها.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هل على المرء أن يدعو إلى الله تعالى؟
وأمَّا إحدى وصايا لقمان فقد كانت تتعلق بالدعوة إلى الله، قال تعالى على لسان لقمان الحكيم: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ}، ولا تكون الدعوة إلى الله إلا باللطف والخلق الحسن، فلا يكن فظًا غليظ القلب، ودائمًا ما يكون طريق الدعوة إلى الله محفوفًا بالأذى، والمخاطر.
6- الصبر والإحسان في التعامل مع الناس: كيف على المرء أن يعامل الآخرين؟
وأمَّا الصبر على الأذى ولإحسان للآخرين فهي من صفات المؤمن الطَّيب وكانت إحدى وصايا لقمان لابنه، قال تعالى: { وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، وقد روي في ذلك عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ و لا يَصبرُ على أذاهُمْ"، فالصبر هو زاد المؤمن في حياته؛ لأنَّ الدنيا ليست خضراء نضرة، بل هي محفوفةٌ بالأذى، ولا بدَّ أن يكون الإحسان عنوانًا لأخلاق المسلم، والله أعلم.
7- التحذير من الكبر والغرور: ما هي مظاهر الكبر والغرور؟
أمَّا هذه الوصية فقد اختصَّها لقمان للحديث عن التعاملات مع الآخرين، قال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، وأمَّا المقصود بقوله لا تصعير خدَّك للنَّاس -كما أورد ابن كثير في تفسيره- أي لا تُشِح بوجهك عن النَّاس في حال كلامك معهم أو كلامهم معك استكبارًا منك وتعاليًا عليهم، بل كن ليِّن الجانب باسط الوجه، وإيَّاك والسير مستكبرًا في أرض الله متجبرًا فيها، وإياك ومشي الخيلاء فالله يبغض المستكبرين.
8- الحث على التواضع: هل التواضع مطلوب في الدين؟
ومن وصايا لقمان لابنه قول الله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ}، ومشية الرجل تدلُّ عليه، وقد نصح لقمان ابنه أن يسير مقتصدًا لا يمشي بطيئًا ولا يمشي سريعًا، بل يكون عدلًا بين ذلك وذاك.
9- الحث على آداب الحديث: ما هي آداب الحديث التي أوصى بها لقمان ابنه؟
ونهى لقمان ابنه في آخر وصيةٍ له أن يرفع صوته في الكلام، قال تعالى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، وبذلك فإنَّه منهيٌّ عن رفع الصوت في الحديث بدون فائدة، وقال مجاهد إنَّ أبشع الأصوات وأقبحها هي صوت الحمير، والذي يرفع صوته دون فائدةٍ يبغضه الله، بل هو أشبه بالحمير التي تنهق، وهو مذمومٌ تمام الذم في الشريعة الإسلامية.
كيفية الاستفادة من وصايا لقمان الحكيم في سلوكنا اليومي: هل يمكن تطبيق وصايا لقمان في العصر الحالي؟
إنَّ وصايا لقمان مع بعضها تشكل منهجًا واضحًا في التربية الحسنة التي تجمع ما بين خير الدنيا والآخرة، فالفرد هو أصغر مؤسسة يجب العمل عليها حتى ينشأ مجتمع متضافر يحمل الخير لنفسه ولِمَن حوله، إذًا فإنَّ وصايا لقمان هي توجيهات تربويةٌ تبدأ بغرس عقيدة التَّوحيد التي يجب على الوالدين أن يلقناها لابنهم وهي المهمة المنوطة بهم منذ نعومة أظفارهم، وباقي الوصايا هي لضبط التعاملات بين العباد، وأهمّ تعامل هو بين الابن ووالديه يكمن في أن يحسن إليهما ولا يعقهما.
ولا تستقيم الأمور إلا من خلال مراقبة الله تعالى في السر والعلانية، فيشعر المؤمن أنَّ الله يراقبه في كل حين، ويجعل زاده الصبر على الأذى والإحسان إلى الآخرين, والابتعاد عن الكبر والغرور؛ ففيهما هلاك ابن آدم، والتماس التواضع في التعامل مع الآخرين، وأخيرًا أن يكون المسلم صاحب أدبٍ في حديثه، فلا يرفع صوته في كلامه، بل يكون هادئًا طيِّب الكلمة ليِّن المعشر، وفي تلك الوصايا دروسٌ وعبرٌ يصطفيها المسلم ليجعلها دستور حياته، والله في ذلك جميعه هو أعلى وأعلم.
من هو لقمان الحكيم؟ ما هي المعلومات المتوفرة عن لقمان الحكيم؟
قد يتبادر إلى الذهن الكثير من الأسئلة بعد ذكر قصة لقمان، هل لقمان كان رسولًا أم نبيًّا أو صالحًا من الصالحين؟ وفي أي وقت عاش لقمان؟ وهل لقمان نبي من الأنبياء؟ ومن هو لقمان الحكيم؟ وأين عاش لقمان الحكيم؟ وللإجابة على ذلك جميعه لا بدَّ من العودة إلى أهل العلم والتأريخ، فبدايةً إنَّ لقمان هو اسمٌ أعجميٌّ ليس بعربي، فقد قيل هو لقْمَان بن باعوراء بن ناحور بن تارح وهو آزر أبو إبراهيم عليه السَّلام.
وقيل هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيًا من أهل إيلة، وقد ذكر وهب بن منبّه أنَّه كان ابن أختٍ لنبي الله أيوب عليه السلام، وقيل إنَّه عاش ألف سنةٍ وأدرك نبي الله داود -عليه السلام- أي عاش في ذلك الوقت وذاك الزمان.
واختلف أهل العلم في هل كان لقمان نبيًّا أو لا، فذهب بعضهم -ومن بينهم عكرمة والشعبي- إلى أنَّه كان نبيًّا، وأمَّا آخرون فقالوا إنَّه ليس بنبي، وهو القول الراجح والصواب والله أعلم، وقالو إنَّه كان رجلًا حكيمًا فقيهًا عرف برجاحة عقله، ويذكر أنَّ لقمان كان رجلًا عفيفًا وصادقًا وأمينًا وتزوج وأنجب الأولاد ولكنهم ماتوا فلم يبك عليهم، فهو من خيرة النَّاس فطنةً ورجاحةً في الذهن والعقل والمنطق، وكثيرًا ما يتأمل في خلق الله فيتفكر ويعتبر.
وقد ذكر سعيد بن المسيب أنَّ لقمان الحكيم كان خيَّاطًا، وقال آخرون بل كان يعمل حطَّابًا فيذهب كلَّ يومٍ يتطب إلى مولاه حزمةً من الحطب، وقال عبد الرحمن بن زيد بأنَّه كان راعيًا، وذكر الربعي أنَّ لقمان كان عبدًا من الحبشة أسودَ فأمره مولاه أن يذبح شاةً ويأتي بأطيب ما فيها، فأتى له بالقلب واللسان، وأمَّا عن اسم ابن لقمان الحكيم فذكرت المصادر أنَّ اسمه تاران وقيل باران وقيل واران وقيل أنعم وقيل مشلم، والله في ذلك جميعه هو أعلى وأعلم.