هل سيتأثر الاقتصاد التركي برحيل السوريين؟
ألقى المحلل الاقتصادي التركي وعضو جمعية “رجال الأعمال المستقلين الأتراك” "موصياد" علاء الدين شنجولر، باللوم على جميع الأطياف السياسة التركية، بالنسبة لموقفهم تجاه ترحيل اللاجئين السوريين في الفترة الأخيرة، وذلك لعدم فعل شيء تجاه تناقص الأيدي العاملة السورية.
وقد أظهرن الأرقام الرسمية نموًّا مطردًا في الاقتصاد التركي منذ أن قدم اللاجئون السوريون.
ورغم ذلك لم يجزم أحد بدور لهم في هذا النمو، وبسبب ضعف الاحصائيات فإنه من غير الواضح الأثر الذي سيتركه غياب العمالة السورية عن مصانع الأتراك، بحسب خبراء.
العمالة السورية
يقول أحد الخبراء إن إهمال الدولة التركية لتعليم الشباب في ورشات العمل بعيدًا الجامعات، أدى إلى نقص في الأيدي العاملة التركية الماهرة.
ولم تستدرك حكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هذا الأمر عقب توليها السلطة، بل ركزت على بناء الجامعات والمعاهد، وهو ما خلق فجوة في السوق.
وهنا جاء دور السوريون الذي سدوا تلك الثغرة، وفق ما قاله المحلل الاقتصادي علاء الدين شنجولر.
ويرى شنجولر أن هناك تهميش لإسهامات السوريين وقدرتهم على النهوض بأنفسهم، وتم ترسيخ الاعتقاد القائل بأن السوريين يعيشون على معونات الحكومة المستمدة من ضرائب الشعب.
كما يجد أن التصريح بالمبالغ التي أُنفقت على اللاجئين السوريين مغالطة صريحة تتنافى مع ادعاء النصرة، منتقدًا عدم إبراز حجم المساعدات الخارجية التي حصلت عليها الدولة مقابل إيواء اللاجئين، ما ألحق بهم ضررًا معنويًا.
ويتوقع المحلل الاقتصادي أن الاقتصاد التركي سيتأثر سلبا قائلا:" سيتأثر الاقتصاد سلبيًا، ليس لقلة الكفاءة التركية عددًا ومهارة، إنما بسبب العدول عن القطاعات التي شغلها السوريون، ما تسبب بنوع من الخمول الذي يحتاج إلى وقت لانسجام اليد العاملة التركية، وهو ما سيؤذي أصحاب العمل”.
فيما قال محمد العبد الله الباحث في مركز عمران إن الاستقطاب السياسي الحاد يتجاوز ملف الوجود السوري جزئية المنفعة المتحققة من العمالة السورية والمستثمرين السوريين، لأسباب ترتبط بكسب قاعدة شعبية أكبر في الانتخابات المقبلة، والتماهي قدر الإمكان مع المزاج الشعبي، حتى لو تعارض مع المصلحة الاقتصادية العامة”
استغلال وسد للعجز
أسهمت العمالة السورية بنمو الاقتصاد التركي بحسب خبراء، وبلغ عدد العاملين في السوق التركية حوالي مليون سوري منذ 2017، بحسب دراسة نشرتها منظمة العمل الدولية في آذار 2020.
وسجّلت تركيا أعلى مستوى نمو اقتصادي خلال الربع الثالث من 2021 بين دول “مجموعة العشرين”، بنسبة بلغت 7.4%، مقارنة بالفترة نفسها من 2020، بعد الانتعاش الذي شهده الاقتصاد مع الرفع التدريجي للقيود التي فرضتها جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وبحسب الدراسة، يعمل 97% من السوريين دون تصريح عمل، في حين أصدرت وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية حتى 2019 (أحدث تقرير للوزارة)، نحو 140 ألف تصريح عمل للسوريين.
ولم يُسمح للسوريين من حملة بطاقات “الحماية المؤقتة” باستصدار تصاريح العمل حتى 15 من كانون الثاني 2016، أي بعد أكثر من خمس سنوات على بداية اللجوء السوري إلى تركيا، ما اضطر السوريين إلى العمل دون ضمان اجتماعي.
واستغل أرباب العمل الأتراك النسبة الكبرى من السوريين بسبب عدم تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، ما حرمهم من العديد من الميزات فيما يتعلق بالأجر وحقوق العمالة.
وهو ما كان أحد الأسباب الأساسية لشيوع حالة التوتر من قبل العمالة التركية ضدهم، متهمة إياهم بالاستحواذ على فرصها في سوق العمل.
لكن معدل البطالة لم يتأثر بشكل فعلي بقدوم السوريين، إذ بلغت نسبة البطالة 12% في 2021، مقارنة بـ11.9% في 2010، وفقًا لأرقام هيئة الإحصاء التركية (TÜİK).
ورغم ذلك، جاءت تركيا في المرتبة العاشرة ضمن أكثر الدول التي تنتهك حقوق العمال، من بين 148 دولة غطاها تقرير صدر عن “الاتحاد الدولي لنقابات العمال” لعام 2022، موثقًا الانتهاكات التي يتعرض لها العمال حول العالم.
وبحسب منظمة العمل الدولية، كان معظم العمال السوريين يعملون تحت الحد الأدنى للأجور، في حين تركّز عمل السوريين في قطاعات الملابس الجاهزة، والتجارة واستخراج الأوراق القانونية، والبناء، والزراعة، التي أحجمت العمالة التركية عن العمل بها.
وأوضح دكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو أنه في حال غياب السوريين، سيحصل “خلل” في الاقتصاد التركي لفترة معيّنة، إلى حين إيجاد البديل من العمالة الإفريقية والآسيوية.
فيما قال نائب رئيس “حزب العدالة والتنمية” لحقوق الإنسان والمتحدث باسم الحزب، ياسين أقطاي، على هامش فعالية لدعم رواد الأعمال السوريين، “إن تأثير السوريين في الاقتصاد التركي إيجابي”.
وأضاف أن “إسهام السوريين في الاقتصاد لا يقتصر على سوق العمل فقط، بل كان لهم دور كبير في تصدير المنتجات التركية إلى السوق العربية، بواسطة الموظفين السوريين في الشركات التركية”.
أوضح الباحث محمد العبد الله، أن السوريين أصحاب رؤوس الأموال والخبرات الصناعية، كان لهم دور مهم في نمو الاقتصاد التركي، إذ استثمروا في تركيا ما يتجاوز عشرة مليارات دولار تقريبًا، في قطاعات اقتصادية متنوعة بالعديد من المدن التركية.
وساعد هؤلاء من حيث الإنتاج والتصدير وتوفير فرص العمل للأتراك منذ عام 2012، كما لقيت هذه الفئة الكثير من التسهيلات من قبل الحكومة التركية لتوطين استثماراتها التي أصبحت مندمجة حاليًا في الاقتصاد التركي، بحسب الباحث.
بحلول آذار 2021، بلغ عدد الشركات السورية في تركيا 20 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، وحتى كانون الثاني الماضي، أسهمت المؤسسات المملوكة لسوريين بتشغيل 500 ألف عامل من ضمنهم أتراك، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “Takvim” التركية، في أيار الماضي.
وتجاوزت استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا عشرة مليارات دولار، وبلغ إسهامهم في الصادرات ثلاثة مليارات دولار أمريكي إلى أكثر من 50 دولة، بحسب الصحيفة.
وفي تقرير صادر في أيلول 2019 عن “المنتدى الأورومتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية” (فيميز)، الممول من الاتحاد الأوروبي، وجد أن عدد الشركات التي أسسها السوريون في تركيا من عام 2014 إلى عام 2016، ارتفع بنسبة 168%.
وفي نهاية عام 2017، كان لدى تركيا أربعة آلاف و793 شركة سورية برأسمال قدره 39.1 مليون يورو.
وأوضح التقرير أن تأثير اللاجئين السوريين من ناحية القيمة المضافة للاجئين في الاقتصاد التركي، وصل إلى 4.3 مليار يورو، بنهاية 2017، أو 1.96% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في تركيا.
وتوقع أن ترتفع تلك القيمة إلى 4% في عام 2028 مع تشغيل مليون عامل سوري لاجئ بشكل نظامي في تركيا.
كما لفت الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، إلى أن التجار السوريين جلبوا أصحاب الشركات إلى تركيا، عبر “رأس المال الاجتماعي” المتمثل بعلاقاتهم التجارية في الدول العربية.
وأسهم السوريون في خلق فرص عمل للأتراك عن طريق شركاتهم ومعاملهم، بحكم فرض القانون التركي توظيف نسبة من الأتراك في الشركات الأجنبية.