في الأردن فقط.. اللاجئون بدل المستثمرين
تخرج علينا الصحافة الغربية لتبشر الأصدقاء في الأردن بالأسوأ دائماً، ولكنهم في الحقيقة يذكروننا بما نريد نسيانه، نحن في «قدر» يغلي بما فيه من لحم ليطعمنا، ولكن اللحم هو نحن، نحن الأردنيين الذين ضعنا بين من لا يعرف ومن لا يفهم وأكثر من ذلك بمن لا يعرف ولا يفهم ولا يستطيع أن يصنع أي تغيير ليعيدنا إلى منتصف الطريق، وآخر البشائر كانت من الاقتصادية العريقة الإيكونوميست: «عمان ثاني أغلى عاصمة شرق أوسطية بعد تل أبيب».
لقد كان الأصل أن يكون الخبر هو: عمان ثاني أغنى عاصمة وليس أغلى عاصمة، خصوصاً بعد ربع قرن من اتفاقية سلام مع إسرائيل، بشرّ فيها «جيمس بيكر وإسحاق شامير وعبدالسلام المجالي» من مدريد بأن المستقبل الجميل ورفاهية الشعوب سوف تتحقق في بضع سنوات حينما يعم السلام وتتصافح الأيدي الضعيفة مع الأيدي القوية، وها نحن هنا لم نغدر السلام ولكن السلام غدرّ بنا.
في الأردن يعيش بيننا ملايين اللاجئين، هذا الوصف الرسمي لهم، ولكنهم بيننا إخوان يعيشون مثلنا، الفرق بيننا وثائق الجنسية، ولن نستعيد الذاكرة القديمة، بل على الأقل لنتذكر السنوات القليلة الماضية، حيث فتحنا الأبواب لأكثر من سبع وأربعين جنسية تفاوتت أعداد اللاجئين منها ما بين المئات وحتى مئات الآلاف، وآخرهم أشقاؤنا السوريون الذين تضغط دوائر القرار المالي والسياسي الغربية على الحكومة لإحلالهم مكان الجنسيات العاملة الأخرى وبلا مقابل، وهذا سنأتي على تفاصيله في مقال قادم.
بلد مثل الأردن يشبه سويسرا، الأفقر في الموارد الطبيعية والأولى في التركز المالي، فهل المثال صحيح؟ ولكن التشبيه هو أقرب إلى متحف الشمع في لندن، حيث تستطيع مصافحة أي شخصية مشهورة بكامل زيّها وتفاصيل بشرتها ولكنهم جمّاد، فليس لدينا الموارد التي تعج فيها بلاد العرب كلها، ولذلك كان من الأوجب أن تكون دولة إنتاج واستثمار وتسهيلات، تستقطب رؤوس الأموال العالمية والشركات المتعددة الجنسيات وشركات التكنولوجيا العملاقة والمصانع الدولية وشركات الزراعة الإنتاجية المتطورة، عدا شركة مونسانتو» طبعاً، ولهذه قصة قادمة، وأخيراً الانفتاح السياحي والسياحة العلاجية ودعم القطاع بدل دعم الهيئات المروجة التي تبدد الأموال دون فائدة، وتسهيل إجراءات التأشيرة وحوافز المستثمرين.
لو كان رجالات الدولة القدماء والحاليون يفكرون بعقلية متفتحة وواعية لمآلات المستقبل، لكان الأردن يمطر ذهباً حقاً، ولحافظنا على أصولنا ومواردنا القليلة، ولخلقنا جيلاً مبدعاً يعمل في ميادين الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة العالمية، ولكن للأسف غرقنا في بحيرة السياسة الآسنة، وانخرطنا في صراعات الإقليم، وشددنا القيود أمام المستثمرين الحقيقيين، ومن جاءنا صادقاً أصبح مطمعاً للقليل من المبتزين والكثير من الضرائب والعوائق، وحتى أبدعنا بإنتاج أجيال أكاديمية لا تعرف تصليح باب خزانة مكسور.
لماذا أصبحنا دولة فقيرة على تراب غني بالخامات والقامات والتاريخ، ولماذا عمان الأغلى بين العرب، ولماذا يتم تسهيل اللجوء وتحويل البلد الى مخيم مفتوح، مقابل «تطفيش» الاستثمارات والمستثمرين، فيما رجال المال والأعمال الأردنيون يهربون بأموالهم إلى بلاد أخرى، ولماذا نضع أنفسنا بين أسنان التماسيح لنبحث عن عوالق اللحم فيها دون أي مؤشر لساعة إطباق الفكّ علينا؟ وكيف غرقت الحكومات بكل ذلك الدين الثقيل مالياً وسياسياً؟!
كل تلك الأسئلة وأكثر لا يستطيع المواطن الإجابة عليها، وأسهل جواب هو إننا صمتنا طويلا في انتظار ليلة القَدر، ولكننا إكتشفنا أخيراً أن «القِدر» فارغ واقتصادنا إعادة تدوير ما بجيوب المواطنين، لذا على الدولة إعادة حساباتها للاستثمار في الأردنيين .
المصدر:الرأي