أنسنة التعليم عن بعد.. رؤية نقدية
ما المقصود بأنسنة التعليم؟ يعتبر مفهوم أنسنة التعليم ليس حديثًاً ويُعد المفكر البرازيلى (باولو فريري) من روّاد الفلسلفة الإنسانية في التعليم حيث يقول فريري “إن أنسنة التعليم هو المسار الذي يستطيع البشر من خلاله إدراك وجودهم في هذا العالم والوعي بدورهم”، على عكس الفصول الدراسية التقليدية حيث يستخدم المتخصصون في التعليم عن بعد (تقنية المعلومات) بصفتها الوسيلة الوحيدة لتقديم الدروس والمصادر التعليمية بحيث يحل التواصل الإفتراضي محل التواصل الفعلي ويفقد المتعلمون التفاعل الحسي والحقيقي مما قد يؤدي إلى شعورهم بالعزلة وربما إلى فقدان الحافز للتعلم، وهذا ما دفعنى لكتابة مقالى هذا لأعبر عن هذه القضية الهامة من وجهة نظرى الشخصية والتى أراها ستكون موضوع الساعة فى وقت ليس ببعيد وفقاً للمتغيرات الإجتماعية والثقافية والصحية والتربوية التى تحدث فى عالمنا.
ومن المقدمة السابقة أنتقل إلى التفاصيل حيث أرى أن التعليم عن بعد قائم على مبدأ (التعلم في أي زمان ومكان) والذي يزيل العنصر البشري الأساسي والمتأصل في التعلم وهو (التعلم في نفس الوقت وفي نفس المكان) ونتيجة لهذا فحين يتم تطبيقه بشكل غير متكامل فإنه سيكون أشبه بعملية آلية بواسطة الروبوت مما يستوجب إضفاء الطابع الإنساني على الدروس المصممة إلكترونياً للتغلب على إنخفاض الدافعية فى التعليم عن بعد.
والجدير بالذكر أنه بدخول العالم في عصرنا هذا مرحلة الثورة الصناعية الرابعة بدأنا نشهد ظهور إبتكارات حديثة قللت من دور الإنسان فى صالح الآلة من خلال ما يُعرف حالياً بـالذكاء الإصطناعي الأمر الذي تسبب بحدوث متغيرات فرضت على حكومات العالم عملية تطوير مناهج عملها لمواكبة مجريات المستقبل.
وبالعودة فى حديثى إلى (مصطلح الأنسنة) فقد تزايد إستخدامه فى آخر عشرين سنة في ظل هيمنة التكنولوجيا على العلاقات بين البشر بعضهم البعض حتى تحول الإنسان إلى كائن رقمي افتراضي يحضر في الفضاء الإلكتروني أكثر من حضوره في الحياة الواقعية وأصبحت التقنية هي المسيطرة على عقله وطريقة تفكيره وسلوكياته أكثر من المشاعر الإنسانية، وبالتأكيد إن تأثير جائحة كورونا العالمية شمل جميع المجالات من حولنا بما فيها التعليم حيث أغلقت مايقارب 75 دولة المدارس والجامعات حول العالم وكخطة بديلة لجأت بعض المؤسسات التعليمية للتعليم البديل عبر الإنترنت أو مايسمى التعليم عن بعد الذى يستند على نقل المقررات الدراسية للبيئة التعليمية الإفتراضية وفي حالة عدم نقلها دون إتساق مع البيئة التعليمية الجديدة فقد يؤدي إلى نتائج عكسية على مستوى التحصيل الدراسي والدافعية والإنجاز كما أقرت الدراسات والأبحاث العلمية.
وأخيراً وبالتأكيد لا أقصد فى مقالى هذا إهمال عناصر التكنولوجيا وإنما أوصى وأؤكد على أهمية حضور المشاعر الإنسانية لأن الإنسان سيظل أعظم ثروة على وجه الأرض.