
إيطاليا تقنن الذكاء الاصطناعي أولًا في أوروبا: قانون جديد
في خطوة تاريخية، أصبحت إيطاليا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تعتمد قانونًا شاملًا ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر موافقة البرلمان الإيطالي مؤخرًا، بما يتماشى مع قانون الذكاء الاصطناعي الخاص بالاتحاد الأوروبي. يهدف القانون الجديد إلى ضمان أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي “مركزيًا للإنسان، شفافًا وآمنًا”، مع التركيز على الابتكار، حماية البيانات، والأمن السيبراني، في حين يفرض عقوبات واضحة للحالات التي يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي بشكل ضار. القانون ينطبق على مجموعة واسعة من القطاعات مثل الصحة، التعليم، العدالة، أماكن العمل، الرياضة والإدارة العامة، كما يُلزم مقدمي الخدمات باستخدام ذكاء اصطناعي بإشراف بشري، وضمان قابلية تتبّع العمليات التي يقوم بها النظام، وإعلام المستخدمين عند استخدام الذكاء الاصطناعي. إحدى البنود المهمة في القانون هو قصر استخدام الأطفال للذكاء الاصطناعي تحت سن 14 عامًا على الحالات التي يحصل فيها المستخدم على موافقة الوالدين، وهو ما يُعتبر حماية تشريعية جديدة تُضاف إلى ضوابط الخصوصية.
في حالات السلوك الضار المرتبط بالذكاء الاصطناعي مثل إنتاج أو نشر محتوى مزور أو مُعدّل (deepfake) يسبب ضررًا ملموسًا، يُقر القانون عقوبات بالسجن تتراوح بين سنة وخمس سنوات، بالإضافة إلى فرض غرامات مالية كبيرة. كذلك يُعامل القانون الجرائم التي تستخدم الذكاء الاصطناعي كـ identity theft أو الاحتيال الإلكتروني باعتبارها جرائم مشددة، ما يعني أن الاستخدام الضار للتكنولوجيا لا يُعفى من المساءلة القانونية.
من جهة حقوق الملكية الفكرية، ينص القانون على أن الأعمال التي يُساعد الذكاء الاصطناعي في إنتاجها تُحصَل على حماية قانونية إذا نشأت من جهد فكرى بشرى حقيقي، بينما يُقيّد استخراج البيانات والنصوص عبر الذكاء الاصطناعي (data/text mining) فقط للمحتوى غير المحمي بحقوق ملكية فكرية أو للبحوث العلمية المعتمدة، مما يقلل من نزاعات حقوق النشر.
الحكومة وتحت قيادة المدعية العامة للتحول الرقمي، خصّصت موازنة تبلغ مليار يورو لدعم الشركات الناشئة والمبتكرة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، وتقنيات الاتصالات، وغيرها من التقنيات المرتبطة، مع دعم حكومي لتطوير البنية التحتية المطلوبة لضمان تنفيذ القانون بفعالية، بما في ذلك إنشاء هيئة مستقلة للرقابة على تنفيذ التشريعات، وتعاون مع الأجهزة السيبرانية القومية.
في التطبيق العملي، يُتوقع أن يبدأ تنفيذ بعض بنود القانون فورًا بعد نشره، فيما تُمنح الشركات وقتًا للتحضير والامتثال الكامل لبنود مثل إشعار المستخدمين، الإشراف البشري، وتتبع الأضرار، خاصة الشركات الكبيرة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات. كما أن القطاع التعليمي والمستشفيات سيكونان من أول القطاعات التي تُراقب فيها التزام الأنظمة الجديدة.
ينظر الخبراء إلى هذا التشريع على أنه خطوة ضرورية لتقليل المخاطر التي ترافق الانتشار السريع للتكنولوجيا، مثل التضليل الإعلامي، استغلال البيانات، وانتهاكات الخصوصية، خصوصًا مع ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية generative AI. وفي المقابل، تحذّر بعض الأصوات من أن ثقل التشريعات قد يبطّئ الابتكار، أو يجعل دخول التقنيات الجديدة إلى السوق الأوروبي أقل تنافسية بالمقارنة مع الولايات المتحدة أو الصين، ما يتطلب توازنًا دقيقًا بين الأمان ودعم الابتكار.
من الناحية الاجتماعية، القانون الجديد يُعتبر رسالة قوية للمواطنين والمطورين على حدٍ سواء بأن التكنولوجيا يجب أن تستخدم لصالح الإنسان، وليس على حساب الحقوق الأساسية. أما من الناحية السياسية، فيُعطي إيطاليا ريادة قانونية في تنظيم الذكاء الاصطناعي في أوروبا، مما قد يدفع دولًا أخرى لتسريع تشريعات مماثلة أو تكثيف جهودها لتطبيق قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي بشكل صارم.
في النهاية، القرار الإيطالي يُعدّ خطوة محورية في تاريخ التشريعات الرقمية الأوروبية، فهو لا يوفر فقط إطارًا قانونيًا للأجيال الحالية من التطبيقات والمنتجات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بل يمهّد أيضًا الطريق للتعامل مع التحديات المستقبلية المرتبطة بالتكنولوجيا، مع التأكيد أن الابتكار لا يتعارض مع حماية الإنسان وحقوقه، بل بأن يكون الابتكار مُحمّلًا بالمسؤولية والشفافية.