تعويض قياسي ضد طبيب تركي بعد إعاقة طفل

تعويض قياسي ضد طبيب تركي بعد إعاقة طفل
تعويض قياسي ضد طبيب تركي بعد إعاقة طفل

تعويض قياسي ضد طبيب تركي بعد إعاقة طفل

في واقعة غير مسبوقة هزّت الأوساط الطبية والقضائية في تركيا، أصدرت محكمة تركية حكمًا قياسيًا يقضي بإلزام طبيب أنف وأذن وحنجرة بدفع تعويض مالي ضخم لعائلة طفل يبلغ من العمر أربع سنوات بعد أن تحوّلت عملية استئصال اللوزتين الروتينية إلى مأساة انتهت بإصابة الطفل بإعاقة دائمة. القضية التي تناولتها الصحافة التركية على نطاق واسع اعتُبرت من أكبر قضايا التعويض الطبي في تاريخ البلاد، حيث طالبت المحكمة الطبيب بدفع ما يقرب من 109 ملايين ليرة تركية كتعويض لعائلة الطفل، في حين تمسّك الطبيب بحقه القانوني في الاستئناف على الحكم ونقل القضية إلى محكمة أعلى للنظر فيها مجددًا.

القضية بدأت عندما أُدخل الطفل إلى أحد المستشفيات الخاصة في ولاية غازي عنتاب لإجراء عملية استئصال اللوزتين، وهي عملية تعتبر عادة بسيطة وقليلة المخاطر نسبيًا. لكن، وفقًا للتقارير والشهادات، تعرّض الطفل خلال العملية لمضاعفات تنفسية حادة أدّت إلى نقص الأكسجين في الدماغ ما تسبب في تلف دماغي دائم جعله يعاني من إعاقة مستديمة ستلازمه طوال حياته. الأسرة التي صُدمت بالنتيجة رفعت دعوى قضائية ضد الطبيب والمستشفى متهمةً إياهما بالإهمال الطبي وعدم اتخاذ التدابير اللازمة أثناء العملية وبعدها، وطالبت بتعويض مادي ومعنوي يغطي تكاليف العلاج المستقبلية والرعاية المستمرة للطفل.

بعد مداولات طويلة واستماع لشهادات خبراء الطب الشرعي والأطباء المختصين، قضت المحكمة بإلزام الطبيب بدفع التعويض المذكور. ويُذكر أن هذا المبلغ هو الأعلى تقريبًا في تاريخ التعويضات الطبية في تركيا، وهو ما اعتبره كثيرون رسالة قوية بضرورة تشديد الرقابة على الممارسات الطبية الخاصة وضمان حقوق المرضى والمتضررين.

الطبيب، من جانبه، رفض تحميله المسؤولية الكاملة عن النتيجة، وأكد عبر محاميه أن جميع الإجراءات الطبية قد أُجريت وفقًا للبروتوكولات المعتمدة وأن المضاعفات التي حدثت كانت غير متوقعة. وبناءً عليه، قرر اللجوء إلى محكمة الاستئناف لإعادة النظر في الحكم، على أمل تخفيف قيمة التعويض أو نقض الحكم.

ردود الفعل على هذا القرار لم تقتصر على عائلة الطفل أو الطبيب المعني؛ بل أثارت نقاشًا واسعًا في الأوساط الطبية التركية. رئيس جمعية التضامن القانوني مع الأطباء صرّح بأن مثل هذه الأحكام القياسية قد تدفع الأطباء إلى التردد في إجراء العمليات الجراحية المعقدة أو حتى البسيطة خوفًا من الملاحقات القضائية، وأن ذلك قد يؤثر سلبًا على تقديم الخدمات الصحية. وأضاف أن نظام التعويضات يجب أن يوازن بين حماية حقوق المرضى وبين ضمان بيئة عمل آمنة للأطباء دون خوف من الإفلاس أو الملاحقات غير المبررة.

ويرى خبراء قانونيون أن الحكم يفتح بابًا جديدًا في قضايا التعويض الطبي في تركيا، خاصة وأنه جاء في ظل زيادة الوعي المجتمعي بحقوق المرضى وميل المحاكم إلى إصدار أحكام صارمة في حالات الإهمال المثبتة. كما يشير البعض إلى أن هذه القضية قد تدفع المستشفيات الخاصة والحكومية إلى تعزيز إجراءات السلامة والتأمين ضد الأخطاء الطبية، وربما إلى رفع أقساط التأمين على الأطباء لتغطية مثل هذه المخاطر.

من جهة أخرى، أثارت الحادثة تساؤلات حول مستوى التدريب والتأهيل في بعض المستشفيات الخاصة التي تجري عمليات للأطفال بشكل يومي. فعملية استئصال اللوزتين تُعد من أكثر العمليات شيوعًا لدى الأطفال في تركيا والعالم، لكنها تتطلب استعدادًا للتعامل مع المضاعفات النادرة مثل النزيف أو توقف التنفس أثناء التخدير. وفي هذه الحالة بالذات، يطالب الرأي العام بالكشف عن تفاصيل أكثر دقة حول ما حدث في غرفة العمليات، وما إذا كانت هناك أخطاء بشرية أو قصور في المعدات أو ضعف في متابعة حالة الطفل بعد العملية.

اقتصاديًا، قد ينعكس الحكم على سوق التأمين الصحي والتأمين ضد الأخطاء الطبية في تركيا. إذ يتوقع خبراء أن ترتفع أقساط التأمين على الأطباء والمستشفيات لتغطية مثل هذه المبالغ الضخمة من التعويضات، وهو ما قد يرفع تكاليف الخدمات الطبية على المدى المتوسط. بالمقابل، قد يؤدي ذلك إلى تحسين جودة الخدمات الطبية وزيادة التزام الأطباء بالإجراءات الوقائية والتوثيق الكامل لكل خطوة أثناء العمليات الجراحية.

على المستوى الإنساني، سلطت القضية الضوء على معاناة الأسر التي يتعرض أطفالها لمضاعفات طبية خطيرة وكيفية تعامل النظام القانوني والصحي مع احتياجاتهم طويلة المدى. فالطفل في هذه القضية سيحتاج إلى رعاية طبية وتأهيلية خاصة طوال حياته، ما يعني تكاليف باهظة لا يمكن لأسرة متوسطة الدخل تحملها دون دعم مالي كبير. ومن هنا جاء الحكم الكبير في محاولة لتأمين مستقبل الطفل ورعايته.

ويرى مراقبون أن هذه القضية تمثل نقطة تحول في العلاقة بين المريض والطبيب في تركيا، حيث لم يعد المريض متلقيًا سلبيًا للخدمة بل أصبح شريكًا في مراقبة جودة الرعاية الصحية والمطالبة بحقوقه عند وقوع أي خطأ أو تقصير. كما أنها قد تدفع وزارة الصحة والجمعيات الطبية إلى مراجعة بروتوكولات العمليات الشائعة للأطفال وتعزيز التدريب المستمر للأطباء في كيفية التعامل مع الحالات الطارئة أثناء العمليات الروتينية.

القضية لم تنته بعد؛ فاستئناف الطبيب قد يؤدي إلى تخفيض التعويض أو إعادة تقييم المسؤولية بين الطبيب والمستشفى أو حتى شركات التأمين. ومع ذلك، تبقى الرسالة واضحة: حقوق المرضى في تركيا باتت محمية أكثر من أي وقت مضى، والممارسات الطبية أصبحت تحت مجهر القضاء والرأي العام.

مشاركة على: