
إسطنبول تستعد لخط سكة حديد شمالي عملاق
في خطوة ضخمة تُعدّ من أهم المشاريع اللوجستيّة القادمة في تركيا، أعلن وزير النقل والإنشاء التحتية، عبد القادر Uraloğlu، عن قرب إطلاق مشروع İstanbul Kuzey Demiryolu Geçişi (المرور الشمالي لسكك الحديد في إسطنبول)، حيث يُخطَّط أن تُطلَق مناقصته خلال عام 2025. هذا المشروع يُعدّ أحد المشاريع الاستراتيجية التي ستربط بين الشطر الأوروبي والآسيوي بإسطنبول، بقدرة تحميل عالية وملاءمة للشحن الثقيل، ليُعزّز دور المدينة كمركز حيوي في شبكات النقل الإقليمية والدولية.
بحسب الإعلان، سيكون هذا الخط جزءًا من مشروع أكبر يهدف إلى توسيع قدرات النقل عبر البوسفور وتخفيف الضغط على البنى التحتية الحالية. المشروع يهدف إلى رفع قدرة الربط السككي بين الشّق الأوروبي والآسيوي لإسطنبول إلى مستوى عالي يُمكِّن من نقل الشحنات الثقيلة والقطارات العابرة دون الاعتماد الكامل على خطوط الركاب الحالية.

أشار الوزير أيضًا إلى أنّ المشروع في مراحله النهائية من التخطيط، وقد أكّد أن الإعلان عن المناقصة (ihale) سيكون من أولويات 2025، وذلك تمهيدًا للشروع في العمل الفعلي. هذه الخطوة تُمثّل إشارة قوية إلى أن الحكومة ترى إسطنبول كمركز لوجستي لا يُمكن تجاهله في الربط بين آسيا وأوروبا.
جزء من تصريحات الوزير شملت ربط هذا المشروع برؤية “الطريق الأوسط / Orta Koridor” الذي يربط بحر قزوين بالبحر الأبيض المتوسط، معتبرًا أن هذا المشروع ليس محليًا فحسب بل إنه عنصر أساسي في تطوير شبكة نقل متعددة الدول تساهم في تنويع طرق التجارة والتخفيف من الاعتماد على الممرات التقليدية.
المشروع الذي يُطلق عليه "المرور الشمالي لإسطنبول" يُفترض أن يُكمّل خطوط مثل Marmaray، لكنه بخاصية أنه مهيَّأ لشحنات ثقيلة ووسائل النقل الكبيرة، مما يعطيه دورًا تكميليًا مهمًا في البنية التحتية للنقل داخل المدينة وخارجها.

من الناحية المالية، لم يُكشف حتى الآن عن تكلفة دقيقة للمشروع، لكن يُتوقّع أن تكون ضخمة نظرًا لطول المسافة والتقنيات المرتبطة بها (أنفاق، جسور، أنظمة سينال، تمهيد الأرض، الربط مع الشبكات القائمة). كما أن التحديات ستشمل التنسيق مع البلديات، الهيئات التنظيمية، ملكية الأراضي، وإزالة العوائق القانونية والبنية التحتية القائمة.
الوزير ناقش أيضًا أهمية تسريع إجراءات الجمارك، الدمج الرقمي للعمليات، وتسهيل العبور بين الدول ضمن Orta Koridor، مؤكدًا أن البنية التحتية وحدها ليست كافية إذا لم تُكملها تغييرات في التشريعات والتنسيق العابِر للدول.
أحد الجوانب التي لفتت الانتباه هو أن هذا المشروع يأتي في تزامن مع مشاريع كبرى أخرى مثل Zengezur geçişi demiryolu hattı، الذي سيربط بحر قزوين بالمتوسط، وكان قد أعلن الوزير أنه بطول 224 كم وتكلفة 2,4 مليار يورو. هذا الربط الجديد سيكمل الرؤية الشاملة لنقل الشحنات عبر الشرق إلى البحر الأبيض المتوسط مرورًا بإسطنبول.
هذا المشروع يُتوقع أن يكون نقطة جذب للاستثمارات، خاصة في المرافق اللوجستية والمناطق الصناعية القريبة من محطات الربط الجديدة، ما قد يعيد تشكيل الخارطة الصناعية والتجارية في ضواحي إسطنبول.
أما من الناحية البيئية، فقد أكد الوزير أن المشروع سيُصمَّم مع مراعاة الاستدامة، بما في ذلك خفض البصمة الكربونية عن طريق نقل الشحنات من الطرق إلى السكك الحديدية، وهي خطوة حيوية في ضوء الضغوط العالمية على تقليل الانبعاثات.

لكن، كما في كل مشروع طموح، هناك مخاطر وتحديات: التأخيرات الإدارية، القضايا القانونية حول الأراضي، الدعم المالي المطلوب، التنسيق بين مستويات الحكومة المختلفة، وأخيرًا التزام المستثمرين بالتنفيذ في الوقت المحدد.
في المحصلة، إعلان مشروع الخط الشمالي لإسطنبول هو خطوة ضخمة تُشير إلى أن الحكومة تنوي أن تجعل المدينة ليست فقط مركزًا للنقل الداخلي بل جسرًا فعليًا بين آسيا وأوروبا في مجال الشحن. ولكنه مشروع طويل الأجل، وسيحتاج إلى دعم تشريعي، استثماري، ومتابعة دقيقة.
