تحديات الانتماء والهوية تُثير القلق بين العرب في تركيا

تحديات الانتماء والهوية تُثير القلق بين العرب في تركيا
تحديات الانتماء والهوية تُثير القلق بين العرب في تركيا

تحديات الانتماء والهوية تُثير القلق بين العرب في تركيا

تعيش الجالية العربية في تركيا حالة من القلق المتزايد حول مستقبل الهوية الثقافية لأبنائها، خاصة مع مرور أكثر من عقد على استقرار مئات الآلاف من العائلات العربية في المدن التركية الكبرى. ورغم اندماج الكثيرين في المجتمع التركي ونجاحهم في الدراسة والعمل، إلا أن النقاش حول الانتماء المزدوج واللغة والثقافة لا يزال حاضرًا بقوة داخل الأوساط العربية.

في السنوات الأخيرة، لوحظ أن أجيالًا جديدة من أبناء الجالية العربية يتحدثون اللغة التركية بطلاقة تفوق قدرتهم على التحدث بالعربية، وبعضهم لا يعرف سوى كلمات قليلة من لغة الأجداد. هذا التحول اللغوي يُعتبر مؤشرًا قويًا على تراجع الهوية الثقافية العربية، حيث يشير قادة جمعيات ثقافية عربية في تركيا إلى أن اللغة هي العمود الفقري للهوية، وفقدانها يعني انقطاع الصلة بين الأجيال.

الجمعيات العربية العاملة في إسطنبول وأنقرة وغازي عنتاب عبّرت أكثر من مرة عن قلقها من هذا الواقع، مؤكدة أن الحل يكمن في دعم المبادرات التعليمية التي تُدرّس اللغة العربية والدين والثقافة للأجيال الشابة. لكن هذه الجمعيات تواجه تحديات مالية وتنظيمية، إذ أن معظمها يعتمد على جهود تطوعية محدودة ولا يحظى بدعم حكومي.

من جانب آخر، يرى خبراء اجتماعيون أن عملية الاندماج في المجتمع التركي طبيعية ومتوقعة، خاصة أن العرب يشتركون مع الأتراك في كثير من العادات الاجتماعية والدينية، لكنهم يحذرون من أن هذا الاندماج إذا لم يُوازَن بحماية عناصر الهوية، فقد يؤدي إلى ذوبان كامل للأجيال الجديدة في الثقافة التركية وفقدانهم لارتباطهم بجذورهم.

التعليم يمثل جانبًا محوريًا في هذه الأزمة، إذ أن غالبية الأطفال العرب يدرسون في مدارس تركية حكومية، حيث اللغة الرسمية هي التركية بالكامل، ما يجعل فرص ممارسة اللغة العربية ضعيفة للغاية خارج نطاق الأسرة. ورغم أن بعض المدارس الخاصة العربية افتتحت أبوابها في إسطنبول ومدن أخرى، إلا أن كلفتها المرتفعة تحول دون التحاق غالبية أبناء الجالية بها.

وتبرز مشكلة أخرى في الحياة اليومية، حيث يجد الشباب العرب أنفسهم بين هويتين: الهوية العربية التي ورثوها من أسرهم، والهوية التركية التي يعيشون تفاصيلها اليومية في المدرسة والجامعة والعمل. هذا التناقض أحيانًا يخلق صعوبات في التكيف النفسي والاجتماعي، وقد يؤدي إلى مشكلات في الإحساس بالانتماء سواء تجاه المجتمع التركي أو تجاه الوطن الأم.

بعض الدراسات التي أُجريت على المهاجرين العرب في تركيا أوضحت أن الشعور بالاغتراب يزداد بين الأجيال الجديدة كلما طال أمد الإقامة، وأن الحلول تحتاج إلى تعاون مؤسسات المجتمع المدني مع الدولة لتوفير برامج تعليمية وثقافية مشتركة تُحافظ على الهوية الأصلية وتساعد في الوقت ذاته على اندماج صحي ومتوازن.

ومع تزايد أعداد العرب المقيمين في تركيا نتيجة اللجوء أو الدراسة أو العمل، بات الملف الثقافي يشكل بُعدًا مهمًا لا يقل عن الملفات الاقتصادية والقانونية. فالقضية لم تعد مجرد أوراق إقامة أو تصاريح عمل، بل باتت مرتبطة بالهوية والانتماء والمستقبل الثقافي لجالية بأكملها.

مشاركة على: