المالية تفحص 50 الف شركة فى حملة واسعة لمهربي الضرائب

المالية تفحص 50 الف شركة فى حملة واسعة لمهربي الضرائب
المالية تفحص 50 الف شركة فى حملة واسعة لمهربي الضرائب

المالية تفحص 50 الف شركة فى حملة واسعة لمهربي الضرائب

في إطار جهودها المتصاعدة للحد من التهرب الضريبي وتعزيز الشفافية المالية، أعلنت وزارة الخزينة والمالية التركية أنها أجرت عملية تفتيش واسعة شملت 50 ألف دافع ضريبة خلال أول عشرة أشهر من عام 2025. وتأتي هذه الخطوة ضمن حملة حكومية منظمة تستهدف توسيع نطاق الرقابة وتحسين الامتثال الضريبي في مختلف القطاعات الاقتصادية.

وبحسب البيانات الرسمية التي نقلتها عدة وسائل إعلام تركية، نجحت الوزارة في تحديد مخالفات مالية متنوعة خلال هذه الفحوصات، واقترحت ضرائب وغرامات تجاوزت قيمتها 220 مليار ليرة تركية، وهو رقم يعكس مدى الجهد الرقابي الكبير، كما يشير إلى اتساع نطاق الاقتصاد غير الرسمي الذي تعمل الدولة على ضبطه تدريجيًا.

تحركات رقابية شاملة لمواجهة التهرب الضريبي

تشهد تركيا منذ سنوات تسارعًا في تبنّي أنظمة رقابية جديدة تعتمد على التكنولوجيا وتحليل البيانات الضخمة. وفي هذا السياق، شكّلت وزارة الخزينة والمالية خلال 2025 واحدة من أكبر الحملات الرقابية في تاريخها، مستهدفة الشركات والأفراد الذين يُشتبه بتضخيم مصروفاتهم أو إخفاء جزء من دخلهم الحقيقي.

وأوضحت الوزارة أن هذه الحملة تأتي استكمالًا لبرنامج "زيادة الامتثال الطوعي" الذي أطلقته العام الماضي، والذي يهدف إلى تشجيع دافعي الضرائب على التصريح عن دخلهم الفعلي دون الحاجة إلى تدقيق مباشر. لكن رغم ذلك، ظلت بعض المجالات ذات المخاطر العالية بحاجة إلى متابعة مباشرة، مثل القطاعات المتعلقة بالوقود، النقل التجاري، العقارات، التجارة الإلكترونية، والأنشطة النقدية المكثفة.

الاستخدام الموسّع للتقنيات الرقمية

أحد أبرز عناصر التطوير خلال عام 2025 كان الاعتماد المكثف على نظام الفحص الرقمي (e-İnceleme) الذي سمح بإجراء تدقيقات سريعة وفعالة دون الحاجة لإجراءات بيروقراطية مطوّلة. وقد قامت الوزارة عبر هذا النظام بإرسال نحو 83 ألف طلب بيانات واستفسار، وهو ما أسهم في تسريع عمليات الكشف والتحليل.

وساعدت البنية الرقمية الجديدة في تقليل الفترة الزمنية التي تستغرقها عمليات الفحص التقليدية، كما سمحت للمدققين بتحديد الأنماط غير الطبيعية في الإقرارات الضريبية بسرعة أكبر، إلى جانب الربط المباشر مع قواعد بيانات الجمارك، التسجيل العقاري، السجلات التجارية، والتحويلات الإلكترونية.

نتائج عملية الفحص: أرقام ضخمة ودلالات واضحة

تشير الحصيلة المعلنة إلى أن الوزارة اقترحت 220 مليار ليرة تركية كضرائب وغرامات إضافية خلال الفترة المذكورة. ويمثل هذا الرقم مؤشرًا قويًا على حجم الفجوة بين الدخل الحقيقي والمصرّح به لدى جزء من دافعي الضرائب.

ومن بين الحالات التي لفتت الانتباه، قيام مجموعة من أصحاب الدخل العالي بتعديل إقراراتهم بعد بدء الحملة، حيث أشارت التقارير إلى أن أحد المكلَّفين من فئة الدخل المرتفع رفع دخله المصرَّح به بنحو 15 مليار ليرة بعد إخضاعه لبرنامج المراقبة، مما يعكس مدى جدية الإجراءات الرقابية ومدى تأثيرها على الامتثال.

كما أشارت الوزارة إلى أن 473 ألف شخص قدّموا لأول مرة إقرارات دخل جديدة هذا العام، وهو تطور إيجابي يعكس تحسنًا عامًا في ثقافة الالتزام الضريبي، خصوصًا مع توسع الخدمات الإلكترونية لتسهيل إجراءات التصريح.

قطاع الوقود والنقل تحت المجهر

لا تزال بعض القطاعات تشكّل بؤرًا محتملة للتهرب الضريبي، وعلى رأسها قطاع الوقود الذي يعتبر من أكثر المجالات ارتباطًا بالاقتصاد غير الرسمي. وفي هذا الإطار، اعتمدت وزارة المالية على نظام التعرف الوطني للمركبات (UTTS) للحد من التلاعب في الكميات المتداولة، إضافةً إلى مراقبة حركة الشاحنات عبر أنظمة GPS لضمان مطابقة البيانات الفعلية مع التصاريح.

أما قطاع النقل التجاري، فقد خضع كذلك لرقابة متقدمة، نظرًا لوجود آلاف العمليات اليومية التي تتم نقدًا، والتي يصعب تتبعها دون رقمنة شاملة. وأكدت الوزارة أنها ستواصل التوسع في تطبيق الفواتير الإلكترونية والإيصالات الرقمية لضمان تسجيل كل معاملة مالية.

تعزيز ثقافة الامتثال الضريبي

أكدت وزارة الخزينة والمالية أن هدفها الرئيسي لا يقتصر على فرض الغرامات، بل يشمل رفع مستوى الالتزام الطوعي، وتسهيل إجراءات التصريح، والتقليل من التعقيدات التي قد تدفع بعض المكلفين إلى التجاوز أو التأخير في تقديم بياناتهم.

وفي هذا الاتجاه، تعمل الوزارة على تطوير برامج تدريب إلكترونية تستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة، إضافةً إلى تحديث الأدلة الإرشادية الخاصة بالتصاريح الضريبية بما يتوافق مع القوانين الجديدة والتحولات الرقمية.

تأثير الحملة على الاقتصاد التركي

يرى خبراء الاقتصاد أن الإجراءات الرقابية المكثفة سيكون لها عدة آثار إيجابية، من بينها:

زيادة الإيرادات العامة دون الحاجة إلى رفع الضرائب.

تحسين الشفافية المالية داخل السوق التركية، وهو ما يعزز ثقة المستثمرين.

تقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي الذي يؤثر على المنافسة العادلة بين الشركات.

تحفيز الشركات والأفراد على الالتزام بالقوانين لتجنب الغرامات الضخمة.

وفي المقابل، يتوقع بعض المحللين أن تزداد طلبات الاستشارات المالية من قبل الشركات، خصوصًا تلك التي تعتمد على أنظمة محاسبية قديمة لا تتوافق مع المتطلبات الحديثة.

خلاصة

تظهر البيانات التي أعلنتها وزارة الخزينة والمالية التركية أن عام 2025 يشهد إحدى أكبر حملات الفحص الضريبي في البلاد، مع ارتفاع ملحوظ في استخدام التكنولوجيا والتحليلات الرقمية. كما أن الكشف عن مخالفات بقيمة تتجاوز 220 مليار ليرة يشير إلى تحديات كبيرة تواجهها الدولة في ملف التهرب الضريبي، لكنه في الوقت نفسه يعكس نجاح الإجراءات الجديدة في توسيع نطاق الرقابة ورفع جودة الامتثال.

ومع استمرار الوزارة في تطوير أدواتها، يبدو أن السنوات المقبلة ستشهد تحولًا إضافيًا نحو رقمنة أعمق للإدارة الضريبية، الأمر الذي سيجعل التهرب أكثر صعوبة، ويعزز من استقرار النظام المالي التركي.

مشاركة على: