رحيل المؤرخ قدير مصر أوغلو ...التاريخ العثماني يفقد أحد أهم المدافعين عنه
اسطنبول - نيوترك بوست
ودع آلاف الأتراك الكاتب والمؤرخ قدير مصر أوغلو الذي رحل الأحد الماضي، بعد أن سُجن واتهم بالجنون وجرد من الجنسية واضطر للهرب من بلاده بسبب كتاباته وآرائه.
نعى كبار مسؤولي الدولة مصر أوغلو، ليكون ذلك بمثابة رد اعتبار لهذا الرجل ، حيث نعاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر موقع تويتر قائلا "أحزنني نبأ وفاة قدير مصر أوغلو أحد أهم كتاب التاريخ في بلادنا. عليه رحمة الله، وعزائي لعائلته ومحبيه، وأرجو أن تكون الجنة مثواه".
وبهذا فقد فقد التاريخ العثماني أحد أهم المدافعين عنه، وواحدا من القلائل الذين تجرؤوا على انتقاد اسم أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، واتهامه بالقضاء عمدا على الدولة العثمانية وتمزيق الأمة الإسلامية.
مصر أوغلو من مواليد 1933 في ولاية طرابزون التركية، ودرس الحقوق في جامعة إسطنبول ثم اتجه لدراسة التاريخ وسبر أغواره. وفي عام 1964 نشر كتابه الأول، الذي يعد من أبرز كتبه وأكثرها إثارة للجدل، وعنوانه "لوزان، انتصار أم هزيمة؟".
إقرا أيضاI العثمانيون جسدوا معنى حرية الاعتقاد في "دير فرنسيسكان" بالبوسنة
ينتقد الكتاب معاهدة لوزان التي وقعت في يوليو/تموز 1923 ومهدت لإعلان الجمهورية التركية ثم إلغاء الخلافة العثمانية فيما بعد. ويقول مصر أوغلو إن الأتراك الموقعين على المعاهدة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك "تخلوا عن قيادة المسلمين ورضوا بقطعة صغيرة من الأرض".
ترك مصر أوغلو أكثر من خمسين كتابا، من بينها "مختصر التاريخ الإسلامي"، و"السلطان المظلوم.. عبد الحميد الثاني"، و"الفظائع اليونانية"، و"قصة أولاد عثمان"، و"مسألة الموصل وأتراك العراق"، و"مأساة فلسطين"، وقد أنشأ دار السبيل للنشر عام 1964، ولا تزال قائمة حتى اليوم.
بدأت ملاحقة مصر أوغلومطلع السبعينيات بسبب كتاباته وخطاباته، وحكم عليه بالسجن، ليقضي الفترة من 1970 إلى 1974 بين الزنازين وغرف المصحات العقلية، بعدما أضيفت إلى تهمه تهمة الجنون.
وبعد مرور بضع سنوات على خروجه من السجن، أصدرت حكومة الرئيس كنعان أفرن الذي قاد الانقلاب العسكري عام 1980، قرارا بتجريد مصر أوغلو من الجنسية، واضطر على أثر ذلك للرحيل عن بلاده ليعيش منفيا بين ألمانيا وبريطانيا لنحو 11 سنة، تمكن بعدها من العودة واستعادة جنسيته.
وقد ظل مصر أوغلو حتى أيامه الأخيرة ورغم مرضه منتقدا شرسا للعلمانية والأتاتوركية، ومدافعا صلبا عن تاريخ العثمانيين، رغم ما جره عليه ذلك من انتقادات في وسائل الإعلام ودعاوى أمام القضاء.
وفي يوم مماته عن عمر ناهز 86 عاما، ضجت شبكات التواصل الاجتماعي في تركيا بالتعليقات والتفاعلات، بين من ينعى الرجل ويترحم عليه ويستذكر كتاباته وأفكاره، وبين آخرين يشمتون في وفاته ويسخرون منه وينعتونه بالمجنون وبالخائن وبـ "المؤرخ اليوناني"، في إشارة لانتقاده معاهدة لوزان، الذي يفسرونه على أنه وقوف في صف أعداء تركيا.
وقد حضر الآلاف جنازته يوم الاثنين في جامع تشامليجا، أكبر جوامع تركيا، وشارك فيها عدد من المسؤولين في الدولة والقياديين في حزب العدالة والتنمية الحاكم.