قرار من أردوغان قد يقطع الطريق على أية انشقاقات في العدالة والتنمية
إسطنبول-نيو ترك بوست
فجّر "بولنت أرنتش" أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، مفاجأة كبيرة بإعلانه يوم الإثنين الماضي، أنه سيكون أحد أعضاء "المجلس الاستشاري الأعلى" التابع لرئاسة الجمهورية والذي أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان تشكيله بداية الشهر الجاري.
كان "أرنتش" وهو نائب رئيس الوزراء السابق أبرز المبتعدين عن صفوف حزب العدالة والتنمية منذ سنوات نتيجة خلافات تفاقمت بين قيادات من الحزب وأردوغان. وتراود اسمه مؤخرًا كأحد أبرز المرشحين لتصدر صفوف حزب سياسي جديد يجري الحديث منذ أشهر عن قرب تأسيسه من قبل قيادات حزب العدالة والتنمية المبتعدة عن صفوف الحزب في السنوات الأخيرة.
وأبرز هذه القيادات، الرئيس السابق عبد الله غُل، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، وعدد كبير من الوزراء والنواب السابقين الذين باتت تجمعهم الرؤية المعارضة لسياسات اردوغان.
وولد قرار تشكيل مجلس استشاري أعلى في هذا التوقيت، انطباعاً واسعاً بأن الرئيس التركي ربما يسعى من خلاله إلى إرضاء عدد من القيادات المبعدة عن الحزب وتوليد اطباع عام لدى الجمهور بقيامه بعملية اصلاح تنطلق من الاستشارة في اتخاذ القرار عقب الاتهامات المتصاعدة له بالتفرد بالقرار داخل أروقة الحزب والدولة لا سيما منذ تحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي، وبالتالي يهدف بدرجة أساسية إلى منع حصول انشقاقات واسعة في الحزب وانتقالها للحزب الجديد الذي لم يرى النور بعد.
وتصاعد الحديث عن قرب تشكيل الحزب الجديد والمكون من قيادات مبتعدة أو تستعد للانشقاق عن حزب العدالة والتنمية عقب نتائج الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد نهاية آذار/مارس الماضي وما رافقها من تجاذبات سياسية غير مسبوقة وخسارة الحزب لعدد من أبرز البلديات الكبرى في البلاد.
وبداية الشهر الجاري، نشرت الجريدة الرسمية التركية مرسوم رئاسي يقضي باستحداث وتشكيل “المجلس الاستشاري الأعلى” ليكون هيئة رئيسية في بنية رئاسة الجمهورية التركية، ويكون على صلة وعمل مباشر مع الرئيس أردوغان.
وقال أرنتش على هامش إفطار رمضاني بولاية مانيسا الإثنين الماضي: “التقيت الرئيس أردوغان، أخبرني انه ينوي تشكيل مجلس استشاري أعلى وأخبرني بأنه يريد رؤيتي في هذا المجلس، لقد أصدر القرار بتشكيل المجلس، الآن يتم تجهيز مقاعد الأعضاء، سأكون إلى جانب رئيس الجمهورية، هذا الدين الصداقة والوفاء وليس تقرباً او مصلحة”.
وتقول صحيفة القدس العربي اللندنية، إنه رغم أن بولنت أرينتش كان الأكثر جرأة في توجيه انتقادات لاذعة جداً لسياسات اردوغان لا سيما حول إلغاء انتخابات إسطنبول، إلا أنه شدد على أن البلاد “ليست بحاجة لحزب جديد”، مؤكداً على أنه “لا يجب أن نعطي فرصة لتقسيم حزب العدالة والتنمية. القوة في التوحد”.
وتحدثت مصادر صحافية تركية عن أن هذا المجلس سيضم أعضاء بارزين من بينهم وزير الداخلية السابق عبد القادر أكصو ونائب رئيس الوزراء السابق جميل تيشيك، مع إمكانية ضم أيضاً رئيسة الوزراء السابقة تانسو تشيلر التي تضامنت مع أردوغان في السنوات الأخيرة وكانت إلى جانبه في مناسبات وطنية مختلفة.
ويجمع محللون أتراك على أن أردوغان يهدف من خلال هذه الخطوة إلى تدارك أخطاء سابقة وتعزيز المشورة في اتخاذ القرار وابعاد تهمة التفرد بالقرار، إلا أنهم يرون أن الهدف الأساسي يتمثل في محاولة منع أكبر قدر ممكن من القيادات البارزة والمبتعدة عن صفوف الحزب من الالتحاق بالحزب الجديد.
لكن لا يعرف حتى الآن ما إن كان أردوغان يسعى إلى ضم قيادات أبرز إلى هذا المجلس مثل عبد الله غًل وداود أوغلو وعلي باباجان، وهي القيادات الأقرب لفكرة تشكيل الحزب الجديد، والأهم أن لا أحد يتوقع أن يقبل أحد من هذه القيادات بالانضمام إلى هذا المجلس كونها ترى في نفسها قيادات من الصف الأول وتسعى لتصدر المشهد السياسي في البلاد في المرحلة المقبلة.
وفي تطور لافت، تحدثت مصادر تركية مختلفة طوال الأسابيع المقبلة عن أن داود أوغلو الذي نشر بداية شهر رمضان ما أطلق عليه “مانفيستو انتخابي” هاجم فيه أردوغان بقوة وقام بجولات رمضانية اعتبرت بمثابة بدء دعاية وترويج لحزبه، تحدثت المصادر عن أنه ينوي الإعلان لأول مرة رسمياً عن فكرة الحزب الجديد خلال كلمة له في إفطار رمضاني بمحافظة ديار بكر عقد مساء الاثنين.
هذه الكلمة التي تابعها جانب كبير من السياسيين باهتمام بالغ لم تحمل كما كان متوقعاً أي إشارات مباشرة أو إعلان رسمي عن فكرة الحزب الجديد، لكنه واصل انتقاداته لأردوغان والحزب الحاكم بشكل غير مباشر، قائلاً: “إرادتنا فقط هي من يمكنها وقف عاصفة التشاؤم التي تسود البلاد، من لا يكون قريباً من قلوب الشعب لا يمكن أن يكون رجل دولة”.
وفجر قرار إعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول صمت عدد كبير من أبرز قيادات حزب العدالة والتنمية، الذين أبدوا معارضتهم الشديدة العلنية لأول مرة لسياسات اردوغان في قيادة الحزب والبلاد، وهو ما عزز الحديث عن السيناريوهات المقبلة المتعلقة بمصير العدالة والتنمية وطبيعة وشكل توقيت الحزب الجديد الذي يجري الحديث عن نية هذه القيادات تأسيسه ليكون معارضاً ومنافساً للعدالة والتنمية واردوغان.
وعلى الرغم من أن جميع هذه القيادات كانت تعرف بمعارضتها لاردوغان وابتعادها عن الحزب منذ سنوات، إلا أنها لم تدلي بأي تصريحات علنية معارضة طوال السنوات الماضية، واكتفت بالانعزال والابتعاد عن ممارسة النشاط السياسي، إلا أن جميع هؤلاء القادة عادوا لنشاطهم السياسي بقوة مطلقين تصريحات ملاحقة تركزت على انتقاد سياسات اردوغان وطريقة إدارته للحزب والدولة.