"آيا صوفيا" أيقونة التاريخ التركي

"آيا صوفيا" أيقونة التاريخ التركي
"آيا صوفيا" أيقونة التاريخ التركي

"آيا صوفيا" أيقونة التاريخ التركي

على مر التاريخ، شكل الصرح التاريخي "آيا صوفيا" رمزا لحضارات وتاريخ المنطقة، حيث امتلكه السلطان محمد الفاتح بعد فتحه لمدينة إسطنبول عام 1453، قبل أن يقرر مجلس الوزراء التركي عام 1934 تحويل المكان من مسجد إلى متحف.

يعتبر فتح إسطنبول وتحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد، الحدث الأهم والأبرز في التاريخ الإسلامي التركي. فبعد حصار طويل دخل السلطان محمد الفاتح المدينة فاتحا في 29 مايو/أيار 1453، وتوجه مباشرة إلى آيا صوفيا، وغرس رايته هناك كرمز للفتح، ثم رمى سهما باتجاه القبة. وهكذا سجل فتحه، لينتقل بعدها إلى أحد زوايا المعبد فيسجد سجدة شكر ثم يصلي ركعتين، وبهذا تحول المكان من معبد إلى مسجد.

ويروي المؤرخون أن السلطان الفاتح تلا بيتين من الشعر عند وقوفه أمام منظر الخراب الذي حل بالصرح قال فيهما "عنكبوت ينسج ستارة في قصر قيصر.. وبومة تحرس في برج أفراسياب".

"آيا صوفيا" التي دخلها السلطان الفاتح، كانت قد بنيت للمرة الثالثة على أطلال كنيستين دمرتا وحرقتا خلال فترة الاضطرابات بالدولة البيزنطية، تحولت إلى جامع ودار للعبادة بعد ثلاثة أيام من فتح المدينة، حصيلة جهد مضن بذله الفاتح ليقيم صلاة الجمعة فيه.

وبفتحه إسطنبول، يكون محمد الفاتح قد حصل أيضا على لقب الإمبراطور الروماني، وبالتالي أصبح مالكا للعقارات المسجلة باسم الأسرة البيزنطية، ووفقا لهذا القانون، تم تسجيل آيا صوفيا باسم محمد الفاتح والوقف الذي أسسه، كما صدرت في فترة الجمهورية نسخة رسمية من سند الملكية المعد بالأحرف الجديدة (التي تكتب بها التركية الحالية)، ليسجل وضعه القانوني بشكل رسمي.

ولولا أن آيا صوفيا كانت ملكا للسلطان محمد الفاتح، لما كان له الحق في تسجيل هذا المكان باسمه قانونيا، ويقول السلطان محمد الفاتح، في واحدة من مئات صفحاته الوقفية التي يرجع تاريخها إلى 1 يونيو/ حزيران 1453، ما يلي:

"أي شخص قام بتغيير هذه الوقفية التي حولت آيا صوفيا إلى مسجد، أو قام بتبديل إحدى موادها، أو ألغاها أو حتى قام بتعديلها، أو سعى لوقف العمل بحكم الوقف الخاص بالمسجد من خلال أي مؤامرة أو تأويل فاسق أو فاسد، أو غير أصله، واعترض على تفريعاته، أو ساعد وأرشد من يقومون بذلك، أو ساهم مع من قاموا بمثل هذه التصرفات بشكل غير قانوني، أو قام بإخراج آيا صوفيا من كونه مسجدًا، أو طالب بأشياء مثل حق الوصاية من خلال أوراق مزورة، أو سجله (المكان) في سجلاته عن طريق الباطل أو أضافه لحسابه كذبًا، أقول في حضوركم جميعًا أنه يكون قد ارتكب أكبر أنواع الحرام واقترف إثمًا".

ويضيف: "من غيّر هذه الوقفية شخصًا كان أوجماعة، عليه أو عليهم إلى الأبد لعنة الله والنبي والملائكة والحكام وكل المسلمين أجمعين، ونسأل الله ألا يخفف عنهم العذاب، وألا ينظر لوجوههم يوم الحشر، ومن سمع هذا الكلام، وواصل سعيه لتغيير ذلك، سيقع ذنبه على من يسمح له بالتغيير، وعليهم جميعًا عذاب من الله، والله سميع عليم".

وقد سعى جميع السلاطين العثمانيين، الذين خلفوا السلطان محمد الفاتح، إلى إضفاء مزيد من الجمال على مدينة إسطنبول وعلى "آيا صوفيا" التي عرفت مع مرور الزمن بمسجد المدينة الكبير بعد الإضافات التي ألحقت بها من أطرافها، لتغدو مجمعا يقدم خدماته للمؤمنين عبر العصور.

وحتى اسم الصرح التاريخي الذي يعني "حكمة الرب" بقي كما هو ولم يتم تغييره، بل احتل مكانة خاصة في أفئدة الشعب التركي على مر العصور، ومحبة خاصة توارثتها الأجيال.

أيقونة التاريخ التركي

حظيت "آيا صوفيا" بمكانة خاصة عند الأدباء والشعراء، إذ سبق للشاعر التركي يحيى كمال بياتلي، أن كتب مقالا عام 1922 قال فيه إن "هذه الدولة لها أساسان معنويان، أولها الأذان من مآذن آيا صوفيا وهي مازالت تصدح، والثانية تلاوة القرآن الكريم أمام الخرقة الشريفة (بردة النبي الكريم بقصر طوب قابي في إسطنبول) وهي مازالت تتلألأ".

وقد ألفت أشعار كثيرة، كتبها أدباء وشعراء أتراك، تغنوا بآيا صوفيا كأيقونة لفتح إسطنبول، كالكاتب والشاعر والمفكر التركي نجيب فاضل قصاكورك، عندما قال "من تراودهم المخاوف ببقاء الأتراك في هذا الوطن.. هم أنفسهم الذين تراودهم الشكوك من إعادة فتح آيا صوفيا للعبادة من جديد".

وكذلك ذكر الكاتب التركي عثمان يوكسل سردنغتشيت، مقالة قد تمت محاكمته وإعدامه بسببها تحت عنوان "آيا صوفيا" قال فيها "آيا صوفيا ! أيها المعبد العظيم، لا تقلق سيحطم أحفاد الفاتح كل الأصنام، ويحولونك إلى مسجد، ويتوضأون بدموعهم ويخرون سجدًا بين جدرانك، وسيصدح التهليل والتكبير ثانية بين قبابك، وسيكون هذا الفتح الثاني، وسيكتب الشعراء عنه الملاحم، وسيصدح الآذان من جديد وأصوات التكبير من تلك المآذن الصامتة اليتيمة، وستتوهج شرفات مآذنك بالأنوار تقديسًا لله وشرف نبيه، حتى أن الناس سيظنون أن الفاتح بعث من جديد. كل هذا سيحدث يا آيا صوفيا، والفتح الثاني سيكون بعثًا بعد موت، هذا أمر أكيد لا تقلق، وهذه الأيام باتت قريبة، ربما غدًا أو أقرب من غد".

وخلال السنوات التي أغلق فيها آيا صوفيا أمام العبادة تعرض لعمليات تغيير ممنهجة لمعالمه، فقد هدمت الجامعة التي كانت موجودة بالمكان، المبنية من طرف السلطان الفاتح، وكانت تعد أول جامعة عثمانية، ثم تم تقطيع السجاد النادر المفروش على الأرضية، ليوزع هنا وهناك، وأخذت الشموع العتيقة وتم صهرها.

وكان هناك نية بعدم إبقاء أي أثر من "آيا صوفيا" عندما كان مسجدا، كادوا يهدمون حتى مآذنه، حيث تم تدمير المأذنة الصغيرة لآيا صوفيا التي بنيت في عهد السلطان بايزيد الثاني، وعندما رأى المؤرخ الصحفي إبراهيم حقي قونيالي أن الدور قادم على آيا صوفيا، قام بنشر تقرير على الفور قال فيه: إن هذه المآذن تعد الداعم لقبة المسجد، وإذا تم تدمير هذه المآذن فإن آيا صوفيا ستنهار أيضا، عندها توقفوا عن التدمير.

عن وكالة "الأناضول"(بتصرف)

 

مشاركة على: