تقرير: أب الموسيقى التركية..أبكاه الكادحين ورثاه القادة
يناديه الأتراك ب"بابا مسلم"، ولا تزال شهرته متوهجة رغم مضي أكثر من 7 سنوات على رحيله، ولا تزال أغانيه الممزوجة بموسيقى مستمدة من الألحان العربية الشجية، تُردد من قبل الصغار قبل الكبار، والتي تحمل في طياتها مشاعر حزينة ومؤلمة معبرة.
ولد الفنان الشهير مسلم أكباش في ال7 أيار/مايو 1953 في ولاية أورفة شانلي الواقعة جنوب شرقي تركيا، للأبوين محمد أكباش وأمنة أكباش، في أسرة ضعيفة الدخل، مما أجبرهم في عام 1956 على الانتقال إلى مدينة أضنة جنوبي البلاد، بعد أزمة مالية كبيرة.
برزت موهبة مسلم الغنائية في سن صغيرة، لما بلغ ال13 عاما شارك في مسابقة فنية وفاز بالمراتب الأولى، بدأ بعدها بالغناء في النوادي والأفراح، وفي عام 1968 صدر له أول ألبوم غنائي، والذي لقى نجاحا باهرا.
مع بداية سطوع نجمه اختار لنفسه لقب "جورسيس" والتي تعني "صوت جوهري"، كما اختار لنفسه طابع خاص به، مزيج بين الموسيقى الشرقية وموسيقى الأرابيسك، معتمدا على الإيقاعات الشعبية التركية التي اشتهرت بها الدولة العثمانية.
وبعدما حقق نجاحا كبيرا، اتجه إلى نوعا موسيقيا آخر، من خلال مزجه بين موسيقى الروك والبوب، والذي أيضا حقق فيه نجاحا مميزا، وأصبح أيقونة وأسطورة الموسيقى التركية الشعبية بلا منازع، ولقب ب"بابا مسلم".
يعتبر جورسيس النجم المفضل للشباب، كان يحضر حفلاته الغنائية عشرات الألاف من الشباب، من ذوي الدخل الضعيف والمتوسط، ممن تلامسهم أغانيه وكلماتها المؤثرة، التي استوحاها من المآسي العديدة التي مرت على حياته، بداية من حادث مروع حصل له ونجى منه بأعجوبة، ثم مقتل أخوه ووالده ووالدته، ودخوله السّجن عدة مرات.
في عام 1980 وخلال إحدى جولاته الفنية في مدينة ملاطية شرقي تركيا، التقى بابا مسلم مع الفنانة محترم نورن، والتي كانت تكبره ب 21 عاما، جرى بينهما نقاش حاد انتهى بقصة حب طويلة توجت بزواج سعيد مستقر دام حتى وفاته.
وإلى جانب تربعه على عرش الموسيقى التركية، ومنحه لقب "أب موسيقى الأربيسك"، شارك بابا مسلم في العديد من الأفلام التركية، والتي بلغت 38 فيلما، ولقيت مشاركته نجاحا مميزا.
في بداية 2013، اشتد المرض على بابا مسلم، دخل على إثر ذلك إحدى مستشفيات إسطنبول لإجراء عملية جراحية في القلب "قلب مفتوح"، زاره الكثير من المحبين والمعجبين الأتراك من جمهور وفنانيين وشخصيات سيادية على رأسها رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان، والذي أعفاه من دفع ديونه للمشفى والتي بلغت 600 ألف ليرة تركية، مشيدا بفنه وأعماله التي أثرت في عدد من الأجيال.
بعد ثلاثة أشهر من دخوله المشفى تعرض لانخفاض حاد في الضغط، ما أدى إلى توقف نبض القلب وذلك في 3 أذار/مارس 2013، ليرحل عن عالمنا عن عمر ناهز 60 عاما.
شارك في جنازته حشد كبير من الجمهور وعالم السياسة والأعمال والفن، ولقي خبر رحيله اهتمام كبير حيث رثاه الرئيس التركي عبد الله غول، قائلا: "إن أعمال جورسيس ستبقيه خالدا في تركيا"، ووصفه رئيس البرلمان التركي آنذاك، جميل تشيشيك بأنه "تمكن من تأسيس فن خاص به".
وفي عام 2018 تم إنتاج أول عمل سينمائي حول سيرته الذاتية الغنية جدا، وفي غضون شهر فاق عدد تذاكر الدخول لمشاهدة فيلم "مسلم" خمسة ملايين، وحطم الفيلم الأرقام القياسية في السينما التركية، واعتبر الفيلم الأكثر مشاهدة.
