60 عاماً على إعدامه.. من هو عدنان مندريس شهيد الديمقراطية والآذان في تركيا؟
يُحيي الأتراك يوم 17 أيلول/سبتمبر من كل عام، ذكرى أليمة ومفجعة، يوم أُعدِمت الديمقراطية في تركيا، وأُدميت قلوب الشعب، ذكرى وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "وصمة عار لن تُمحى أبدا من جباه الانقلابين الذين أعدموا مندريس ورفاقه".
قبل 60 عاما، وتحديدا في 17 أيلول/سبتمبر 1961، استيقظت تركيا عامة ومدينة بورصة شمال غربي البلاد، على فاجعة تنفيذ حكم الإعدام في حق أول رئيس الوزراء عدنان مندريس، أول رئيس منتخب بعد حرب الاستقلال، ووزيري المالية حسن بولاط قان، والخارجية فاتن رشدي زورلو، بعد يوم واحد من صدور الحكم، وبعد مضي أكثر من عام على أسوء انقلاب في تاريخ الدولة، في 27 أيار/مايو 1960.
فمن هو عدنان مندريس شهيد الديمقراطية والآذان ؟
هو علّي عدنان ارتكين مندريس، ولد عام 1899 في ولاية أيدن غربي تركيا، حيث تلقى تعليمه الابتدائي، ثمّ التحق بإحدى جامعات أنقرة وتخرج منها بشهادة ليسانس في الحقوق، بعد تخرجه انضم إلى "حزب الشعب الجمهوري"، ولكفاءته انتخب نائبا عن الحزب بالبرلمان، لكنه في عام 1945 قرر مع 3 من نواب آخرين الانسحاب من الحزب وتأسيس حزب جديد "الحزب الديمقراطي" وهو أول حزب معارض في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، وشارك بعد عام من تأسيسه في الانتخابات وحصل على 62 مقعدا.
بقي مندريس يناضل على مستوى حزبه، وشارك في انتخابات 1950 حيث فاز بأغلبية ساحقة، مكنته من تشكيل حكومة جديدة، وكانت بداية النهاية لهيمنة حزب الشعب الجمهوري الذي كان مسيطر على مقاليد الحكم منذ تأسيس الجمهورية الجديدة في العام 1923، وأهم ما جاء في برنامج مندريس الانتخابي:
عودة الأذان باللغة العربية
السّماح للأتراك بأداء فريضة الحجّ والعمرة.
فتح مدارس لتعليم اللغة العربية.
إلغاء تدخل الدولة في لباس المرأة "الحرية في ارتداء الحجاب وتغطية الرأس".
إعطاء الحرية للنّاس في ممارسة الشّعائر والاعتقادات.
شهدت تركيا خلال حكم حزب مندريس نهضة حقيقية، نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها حكومته، منها رفع القيود أمام الواردات، وخفض نسبة الفائدة، وإجراءات قانونية لخصخصة المؤسسات الاقتصادية الحكومية، بهدف تشجيع دخول الأموال الأجنبية إلى خزينة الدولة، وأصبح اقتصادها ينافس اقتصادات الدول الأوروبية آنذاك، بعدما حقق الناتج القومي الإجمالي لتركيا نموًا بنسبة 9%.
كسبت حكومة مندريس ثقة الشعب التركي، خلال أربع سنوات من الحكم، ممّا جعل حزبه يفوز بأغلبية ساحقة "93%" من مقاعد البرلمان في انتخابات 1954، واستمرت حكومته في الإصلاحات التي بدأتها، وبدأ التركيز على تقوية السياسة الخارجية بداية من الانضمام إلى حلف الناتو وتحسين العلاقات مع أمريكا، لكن خصومه (العسكر) في الداخل كانوا منزعجين جدا من المدنية التي أصبحت عليها البلاد.
في العام 1955، بدأ خصومه في اختلاق مشاكل من أجل اسقاط حكومة مندريس، بداية من الاعتداء على الأقليات المتواجدة بتركيا، مثل حرق الكنائس والاعتداء على الأقلية اليونانية والأرمن واليهود، هذه الأحداث كان لها أثر كبير في تراجع حزبه في انتخابات 1957، واستمر خصومه في تأليب الشارع التركي ضد سياساته، من خلال المظاهرات وأعمال الشغب التي أحدثوها في البلاد خاصة في مدينتي أنقرة وإسطنبول.
استمرت مكائد خصوم مندريس، بعدما كسبوا الإعلام إلى صفهم، ففي إحدى المظاهرات الطلابية بجامعة إسطنبول، والتي قُتل خلالها طالب برصاص الشرطة، سارعت وسائل الإعلام لنشر أنباء كاذبة تفيد بأنّ "رئيس الوزراء جمع طلاب الجامعة وقام بفرمهم، وإلقائهم على قارعة الطرقات"، وهي أخبار كانت كافية لتأليب الرأي العام ضدّه، وأعطى الفرصة لخصومه للانقلاب عليه صباح 27 أيار/مايو 1960، وهو أول انقلاب عسكري في عهد الجمهورية التركية الحديثة.
اعتقل الانقلابيون عدنان مندريس ورئيس الجمهورية آنذاك، محمود جلال بايار، مع عدد من الوزراء، وأرسلوهم إلى سجن بجزيرة "يصي أدا"، وبعد محاكمة شكلية في 16 أيلول/سبتمبر1961، سجن بايار مدى الحياة فيما حكم بالإعدام على مندريس وإثنين من وزراء حكومته، بتهمة محاولة قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية، وفي اليوم التالي من صدور الحكم تم تنفيذ العقوبة، ودفن ثلاثتهم في الجزيرة ذاتها.
كان أغلب الأتراك ضد الحكم الصادر في حق مندريس ووزيريه، واعتبروه جائرا، حتى عام 1990 عندما وصل تورغوت أوزال رئاسة تركيا، فاتخذ قرارا رئاسيا جريئا بإعادة الاعتبار لمندريس ورفاقه، يقضي بنقل جثمانهم إلى مقبرة خاصة في إسطنبول بمنطقة توب كابي، وضمن مراسيم رسمية حضره حشد غفير من الشعب تم استقبال الرفات، وقرأ الرئيس الفاتحة على أرواحهم، ووصفهم في كلمة تأبينية بـ"شهداء الوطن"، وفي اليوم التالي وصفتهم الصحف التركية بـ"شهداء الوطن والديمقراطية".
رحل مندريس ورفاقه، وبقيت تركيا كلّ سنة تتذكرهم وتعيد لهم الاعتبار، حيث أطلقت اسم عدنان مندريس، على أهم المرافق في البلاد "مطار إزمير" وغيره، بل ورفعتهم إلى مصاف الأجداد العثمانيين الفاتحين، ففي إحدى خطابات الرئيس أردوغان قال: "إنّنا نسير على خطى أجدادنا الفاتحين مثل السلطان ألب أرسلان والسلطان محمد الفاتح، وعلى خطى قادتنا العظماء أمثال عدنان مندريس وتورغوت اوزال ونجم الدّين أربكان"، كما حرص العام الماضي على إحياء الذكرى، حيث اختار موعد الانقلاب ليفتتح جزيرة "ياصي أدا" مجدداً للسياحة تحت اسم "جزيرة الديمقراطية والحريات".
وأكد الرئيس أردوغان، في بيان صادر عن الرئاسة التركية، أمس الأربعاء، بمناسبة الذكرى السّنوية لإعدام مندريس ورفاقه، أن "فترة انقلاب 27 مايو التي شهدت جريمة ضد القانون عبر محاكمات مزعومة سجلت كوصمة عار في تاريخ تركيا".
وأضاف أن "عدنان مندريس الذي خدم الديمقراطية والتنمية في تركيا رفقة مسؤولي الحزب الديمقراطي الذين كانوا ممثلين للإرادة الوطنية، "تعرضوا للظلم والاضطهاد جراء الانقلاب العسكري".