ما أقوى وأغلى العملات في العالم؟ ومتى تنهار عملة دولة ما؟
ارتفاع وانخفاض قيمة عملات بعض الدول، يلفت أنظار العديد من المتابعين لتجارب الدول الاقتصادية، الناجحة منها وغير الناجحة. فالآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على صعود وهبوط العملات المحلية، أطاحت بحكومات، وتهدد عروش حكومات أخرى.
هناك دول كبيرة اقتصاديا ولكن عملتها منخفضة، ودول تعد صاحبة اقتصادات صغيرة وعملتها مرتفعة، ووراء ذلك دوافع اقتصادية بعضها إيجابي وبعضها سلبي. وحتى نضع بين يدي القارئ صورة لهذا الأداء الذي يثير العديد من التساؤلات، رأينا أن من المناسب أن نتناول الأمر من خلال طرح مجموعة من الأسئلة والإجابة عنها.
بالطبع، هذه الأسئلة تتناول تلك العملات التي يتحدد سعرها وفق آليات العرض والطلب، سواء كان ذلك بشكل كلي أو جزئي، أما العملات التي يتحدد سعرها وفق قرارات إدارية، فهي ليست محل تناول هذا التحليل.
ما الذي يجعل عملة ما أقوى من غيرها؟
تكتسب عملة أي دولة قيمتها من قوتها الاقتصادية والسياسية، ولعل تصدر الدولار منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن العملات القوية في العالم، يرجع إلى المكانة التي اكتسبتها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، وخروج كثير من الدول الأوروبية مدينة من هذه الحرب لأميركا.
وعندما تم تأسيس مؤسستي البنك والصندوق الدوليين، ونوقشت قضية ضرورة وجود عملة لها قبول لتسوية المعاملات المالية والتجارية الدولية، طرحت أميركا عملتها نظرا لغطائها الذهبي، واستعداد أميركا في ذلك الوقت لدفع قيمة أي دولار يصدر من خزانتها العامة بما يعادله من الذهب.
عندئذ قبل العالم بالدولار عملة دولية إلى جوار بعض العملات الأوروبية الأخرى، إلا أن الدولار أصبح العملة الرئيسة في السوق الدولية.
وبعد عام 1971، أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون تخلي بلاده عن قاعدة الذهب، وأن قيمة الدولار مستمدة من الناتج المحلي الأميركي، وأن أي دولار في السوق تقابله سلع وخدمات يمكن لحائز الدولار أن يحصل عليها من السوق الأميركية.
إلا أن ثقة كثير من الدول في صلاحية الدولار عملة رئيسة لتسوية المعاملات التجارية والمالية الدولية، تعرضت للخطر بشكل كبير بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، ومن هنا طالبت بعض الدول بالبحث عن عملة بديلة للدولار، وهو ما اعتبرته أميركا حربا عليها وعارضته بشدة في اجتماعات مجموعة العشرين التي أعقبت الأزمة المالية العالمية عام 2008.
متى تنهار عملة دولة ما؟
لا بد من أن نفرق بين تراجع قيمة العملة وانهيارها، فتراجع قيمة العملة قد يكون لعوامل طارئة، أو نتيجة عوامل يفرضها الواقع من خلال ضعف الأداء الاقتصادي للبلاد تجاه العالم الخارجي، ويمكن أن يكون تراجع قيمة العملة مخططا له من أجل تحقيق أهداف اقتصادية لمصالح البلاد.
فمثلا، تطالب كل من أميركا والاتحاد الأوروبي -منذ عام 2000- برفع قيمة اليوان الصيني، بينما تحرص الصين على بقاء قيمة عملتها منخفضة، لأن ذلك يساعدها في نجاح استراتيجيتها بالحصول على أكبر حصة من الصادرات السلعية العالمية، وقد تحقق لها ذلك، فالصادرات السلعية للصين بلغت 2.5 تريليون دولار في 2020.
أما انهيار العملة، فيتحقق في حالات عدة، منها:
- هزيمة البلاد في حروب.
- عدم الاستقرار السياسي والأمني، وهي حالات مشاهدة في وضع العراق واليمن وسوريا ولبنان والسودان والصومال وغيرها.
- فشل السياسة الاقتصادية في كبح التضخم.
- اعتماد البلاد بشكل كبير على الاستيراد، دون وجود صادرات تكافئ الطلب على الدولار للوفاء باحتياجات الواردات.
- تورط البلاد في مديونيات خارجية، وعجز الحكومة عن الوفاء بها.
وخلاصة الأمر، أن مفهوم انهيار قيمة عملة ما، هو تراجع قوتها الشرائية، بحيث يفقد الناس الثقة بها، ويتجهون للتعامل بالعملات الأجنبية، بيعا وشراء، بل حتى في مدخراتهم.
لماذا تشهد بعض العملات تراجعا حادا في قيمتها؟
هناك عوامل كثيرة تؤدي إلى انهيار العملات، منها ما يتعلق بجوانب سياسية، أو اقتصادية.
ومن أبرز العوامل الاقتصادية التي تؤدي إلى انهيار العملات:
- عجز الدول عن سداد الديون المستحقة عليها، كما حدث في لبنان من عجزه عن سداد قيمة السندات الدولية التي كانت مستحقة عليه في 2019. وفي مثل هذه الحالة، عادة ما يعلن صندوق النقد الدولي تصنيفا سالبا لوضع هذه البلاد، مما يؤدي إلى عجزها عن الحصول على قروض أخرى من الخارج، وقد يعلن إفلاسها.
- افتقاد البلاد لبعض مواردها الاقتصادية، كنضوب تلك الموارد، أو تقسيم أراضيها، واستحواذ طرف على المورد الرئيس لتدفق النقد الأجنبي، كما حدث في السودان، بعد انفصال جنوب السودان وحصوله على كافة آبار النفط.
ومن الأسباب الاقتصادية لتراجع قيمة العملة لدولة ما:
اضطراب السياسة النقدية، وعدم مراعاتها لاعتبارات المكونات الأخرى للسياسة الاقتصادية (المالية، والتجارية، والاستثمارية، والتوظيف)، مما يفقدها السيطرة على سعر الصرف، وخاصة إذا كانت هناك منافذ كبيرة ينفذ منها المضاربون ليسيطروا على السوق. ونتيجة لذلك تغيب الثقة لدى المواطنين في عملتهم المحلية، فيتجهون للحصول على العملات الأجنبية، ويساعد ذلك على إيجاد طلب غير حقيقي على العملات الأجنبية، وهكذا تستمر حالة تراجع قيمة العملة المحلية (تحقق هذا الأمر جزئيا في حالة تركيا إلا أن حالة لبنان كانت الأكثر بروزًا) إلى أن تنجح الحكومة والسلطة النقدية في السيطرة على سوق الصرف، وتبني سياسة اقتصادية ناجحة.
من الرابحون والخاسرون من انهيار أو تراجع عملة ما؟
الرابحون من انهيار أو تراجع العملة:
- في المرتبة الأولى: فئة المضاربين، لأنهم يستطيعون في الأجل القصير والمتوسط لانهيار العملة أن يقوموا بشراء جزء كبير من الأصول الرأسمالية (المصانع، والمزارع، والعقارات، والأراضي، والسيارات، وغيرها) مستغلين حالة عدم الثقة لدى المجتمع، وهم يقومون بذلك بغية إعادة بيع هذه الأصول بأسعار أعلى مما اشتروها به.
- والفئة الثانية التي تستفيد من انهيار العملة: المدينون المحليون الذين يجب عليهم الوفاء بمديونياتهم بالعملة المحلية، وعلى رأس هؤلاء المدينين: الحكومات التي تعتمد على الديون في تمويل موازنتها العامة.
- أيضا ممن يستفيد من انهيار العملات المحلية: أصحاب الدخول بالعملات الصعبة، أو الأسر التي تعتمد على تحويلات أربابها من الخارج، حيث تتوفر لهم كميات من النقود، تساعدهم على مستوى معيشي أفضل من غيرهم.
- هناك فئة تستفيد من تراجع قيمة العملة، لا انهيارها، وهم: المصدرون، في حالة تراجع قيمة العملة ووجود قاعدة إنتاجية تساعدهم على الاستفادة من هذه الفرصة، أما إذا لم يتوفر هذا الشرط، فالتراجع وانهيار العملة لا يحققان أي مزايا للمصدرين.
أما المتضررون من انهيار العملة:
- ففي مقدمتهم أصحاب المدخرات بالعملات المحلية، حيث تتآكل ثرواتهم بقدر انهيار قيمة العملة.
- والفئة الثانية من المتضررين، هم: أصحاب الدخول الثابتة، ومن بينهم موظفو الحكومة والقطاع الخاص المنظم، لأن من الصعوبة أن تعوضهم الحكومة أو أصحاب العمل بزيادة تكافئ معدلات انهيار قيمة العملة.
- ويتضرر من انهيار العملة أيضا: أصحاب المديونيات المستحقة بالعملات الأجنبية، بينما دخولهم بالعملات المحلية،
- وأيضا يتضرر من انهيار العملة: أصحاب نشاط الاستيراد، لارتفاع تكلفة فاتورة الواردات، وفي ظل ارتفاع الأسعار نتيجة انهيار العملة، يتراجع الطلب.
ترتيب أغلى العملات في العالم
الدولار الأميركي هو أحد العملات الأكثر قيمة في العالم، وقد يكون من الصعب وجود منافس في الأسواق الدولية له باستثناء اليورو.
بشكل عام، تميل العملات الأكثر قيمة إلى أن تكون أقوى، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن العملات الضعيفة تفقد قيمتها على المدى الطويل.
ومع ذلك، فإن بعض العملات القوية، مثل الين الياباني (JPY)، أقل قيمة بسبب التضخم الذي حدث منذ عقود، لكن هناك عملات أخرى وأغلبهم من بُلدان عربية قيمتها تتفوق على الدولار الأميركي.
- الدينار الكويتي
1 دينار كويتي = 3.30 دولار أميركي
غالبًا ما يكون الدينار الكويتي (KWD) هو العملة الأكثر قيمة أمام الدولار الأميركي، حيث ساعد إنتاج النفط الكبير في زيادة ثروة الكويت ودعم قيمة الدينار الكويتي.
وعلى مر السنين، جمعت الكويت صندوق ثروة سيادي كبير، تدير هيئة الاستثمار الكويتية هذا الصندوق وتساعد على ضمان بقاء الكويت مزدهرة.
- الدينار البحريني
1 دينار بحريني = 2.65 دولار أميركي
تم ربط الدينار البحريني بالدولار الأميركي بقيمة أعلى قليلاً من الريال العماني.
وظل المتوسط السنوي للدينار البحريني قريبًا من سعر الصرف الحالي منذ عام 2011، على الرغم من التأثير الكبير الذي أحدثته أسعار النفط المنخفضة على اقتصاد البحرين، لكن كان معدل التضخم في البحرين متواضعا ومستقرا نسبيا.
- الريال العماني
1 ريال عماني = 2.60 دولار أميركي
ربطت عُمان عملتها بالدولار الأميركي بسعر صرف ثابت، وحافظ الريال العماني على قيمته مقابل الدولار بسبب السياسة النقدية المشددة تاريخياً والقيود المالية في عمان.
وقام صناع السياسة العمانيون عمومًا بتقييد المعروض النقدي لحماية البلاد من الحرب والصراع في الشرق الأوسط.
- الدينار الأردني
1 دينار أردني = 1.41 دولار أميركي
تم ربط الدينار الأردني بالدولار الأميركي بقيمة أعلى، وكانت الفكرة أن سعر الصرف المستقر من شأنه أن يساعد في جذب الاستثمار الأميركي في الأردن.
يمكن لأي دولة ربط عملتها بالدولار بأي قيمة، ومع ذلك يجب أن تحافظ العملة على قيمتها بالنسبة إلى الدولار الأميركي للحفاظ على سعر الصرف.
ونجح الأردن في فعل ذلك خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين.
- الجنيه البريطاني
1 جنيه إسترليني = 1.34 دولار أميركي
واكب صانعو السياسة في بنك إنكلترا (BOE) بشكل عام التطورات في البلدان الأخرى على مدى العقود العديدة الماضية، وحافظوا على قيمة الجنيه الإسترليني أكثر من الدولار الأميركي.
كان الجنيه البريطاني (GBP) أكثر قيمة من الدولار الأميركي في أغلب السنوات، لكنه انخفض خلال معظم القرن العشرين، لكن انعكس هذا الانخفاض خلال الثمانينيات، واستعاد الجنيه البريطاني عادته القديمة أمام الدولار الأميركي.
- دولار جزر كايمان
1 دولار جزر كايمان = 1.20 دولار أميركي
تم ربط دولار جزر كايمان (KYD) عبر سعر ثابت عند 1.20 دولار أميركي في السبعينيات.
قد يكون من الصعب الحفاظ على سعر صرف العملة، عندما تكون الظروف الاقتصادية المحلية سيئة وترفع الولايات المتحدة أسعار الفائدة.
لكن ساعد وضع جزر كايمان كملاذ ضريبي عالمي في دعم قيمة عملتها أمام الدولار الأميركي.
- اليورو
1 يورو = 1.13 دولار أميركي
اعتبارًا من نوفمبر 2021، كان سعر صرف اليورو (EUR) مقابل الدولار الأمريكي (USD) حوالي 1 يورو مقابل 1.13 دولار.
تعزز الدولار الأميركي بشكل عام مقابل اليورو في عامي 2020 و 2021.
هذه القوة تجعل الواردات الأوروبية أقل تكلفة نسبيًا في الولايات المتحدة، لكن العملة الضعيفة ليست سيئة دائمًا، حيث يمكن أن تساعد في تعزيز الصادرات الأميركية أيضًا.
يتمتع البنك المركزي الأوروبي (ECB)، الذي يضع السياسة النقدية لمنطقة اليورو باستقلالية أكبر عن الحكومات الوطنية مقارنة بمعظم البنوك المركزية الأخرى، نظرًا لأنه يشرف على السياسة النقدية للقارة بأكملها.
ويساعد هذا الاستقلال في الحفاظ على قوة اليورو، لكنه ساهم أيضًا في أزمة الديون السيادية الأوروبية، حيث وجدت بعض البلدان الفردية مثل اليونان وإيطاليا، صعوبات في سن سياسات محددة للمساعدة في تحفيز اقتصاداتها.
المصدر : الجزيرة + CNBC