تقرير: هل اقتربنا من حربٍ نووية؟.. وماذا سيحدث إذا انجر العالم إليها؟
تصاعدت حدة الصراع بين روسيا والغرب، بعد تهديد بوتين باستخدام الأسلحة النووية، الأمر الذي أثار قلقاً واسعاً وتساؤلات عن تداعيات اندلاع حرب نووية على العالم.
ظهرت الأسلحة النووية إلى الواجهة مرة أخرى، عقب تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال خطاب له الأربعاء الماضي، باستخدامه للدفاع عن روسيا، في سياق رده على ما وصفه بـ "الابتزاز النووي" الأوروبي، وفي المقابل حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من عواقب ستتحملها موسكو في حال شنت هجوما نوويا على أوكرانيا.
وجاء رد الكرملين بشأن تحذير بايدن، قائلا: "اقرأ العقيدة النووية لروسيا.. كل شيء مكتوب هناك".
حيث أجرت موسكو في 2020 تعديلا على بنود عقيدتها النووية، التي تعتبر الأسلحة النووية وسيلة ردع ودفاع فقط، يسمح لروسيا باستخدام ترسانتها من الأسلحة غير التقليدية في وجه أي خطر يهدد سيادة البلاد ووحدة أراضيها، وحماية مصالحها ومصالح حلفائها أيضا.
وتم استخدام الأسلحة النووية للمرة الأولى من قبل الولايات المتحدة، خلال الحرب العالمية الثانية، في أغسطس 1945، عندما سمح الرئيس الأمريكي هاري ترومان بإلقاء قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، ووفقًا للتقديرات، مات قرابة 200.000 شخص.
وأصبح هذا الهجوم، الذي تسبب في مقتل الآلاف من الأشخاص، سلاحًا أرادت العديد من الدول امتلاكه من أجل الحصول على القوة والمكانة العسكرية في المراحل الأولى من الحرب الباردة، بسبب القوة التدميرية العالية للقنابل النووية والدائمة.
في عام 1950، دعا الجنرال الأمريكي دوغلاس ماكارثر إلى إلقاء قنبلة ذرية على الصين خلال الحرب الكورية.
أما بخصوص المواجهة النووية بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في عام 2018، صرح كيم جونغ أون بأن "الزر النووي موجود دائمًا على مكتبه"، ليرد عليه ترامب "لدي أيضًا زر نووي، لكنه أكبر وأقوى بكثير".
معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية
وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام ومصادر مختلفة، تم توقيع "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية"، وذلك لمنع سباق التسلح النووي، في 1 يوليو 1968، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1970.
وفي حين أن الاتفاقية تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية: حظر الانتشار، واستخدام الطاقة النووية للأغراض المدنية، ونزع السلاح النووي، إلا أن هناك 9 دول لا تزال لديها رؤوس حربية نووية.
حيث تمتلك الولايات المتحدة وروسيا حوالي 90 في المئة من إجمالي الرؤوس النووية في العالم، والتي يبلغ مجموعها 12705.
واعتبارًا من يناير 2022، بلغت عدد الأسلحة النووية التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية 5 آلاف و428، وروسيا 5 آلاف و997، والصين 350، وفرنسا 290، وإنجلترا 225، وباكستان 165، والهند 156، وإسرائيل 90، وكوريا الشمالية 20 رأسًا نوويًا.
ورفضت الهند التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، عندما أجرت اختبارًا تحت الأرض في منطقة بوخكران بصحراء راجاستان.
كما بدأت كوريا الشمالية التجارب النووية في عام 2006، بعد انسحابها من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.
وفقًا للخبراء، على الرغم من أن النظام الدولي المتعلق بالأسلحة النووية بعيد كل البعد عن الاستقرار فمن السابق لأوانه القول إن النظام قد انهار.
سباق الدول لامتلاك الرئوس النووية
بحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، فإن الانخفاض في الرؤوس الحربية النووية للولايات المتحدة وروسيا مقارنة بعام 2021 والسنوات السابقة يرجع إلى إزالة الرؤوس الحربية القديمة في إطار دراسات التحديث.
ومن جهةٍ أخرى، فإن الصين لا تتمتع بالشفافية بشأن الأسلحة النووية، حيث تُظهر صور الأقمار الصناعية من البلاد وجود 300 صومعة صواريخ جديدة قيد الإنشاء.
وأعلنت بريطانيا قرارها زيادة قدرتها على الرؤوس الحربية النووية في عام 2021 وأعلنت أنها ستزيد قدرتها على الرؤوس الحربية النووية إلى 260.
كما جعلت كوريا الشمالية برنامجها النووي العسكري الحالي عنصراً مركزياً في إستراتيجيتها للأمن القومي، على الرغم من أن البلاد لديها حوالي 20 رأسًا حربيًا، إلا أنه يقدر أن لديها ما يكفي من المواد لإنتاج 40-45 رأسًا حربيًا.
وأعلنت فرنسا أنها أطلقت برنامجًا لتطوير غواصة صواريخ باليستية من الجيل الثالث تعمل بالوقود النووي في بداية عام 2021.
هل من الممكن تحدث حرب نووية؟
وفي سؤال للأستاذ بكلية الدفاع الوطني بواشنطن، الكولونيل ديفيد دي روش، عن إمكانية حدوث حربٍ نووية، قال ديفيد: "إن سيناريو الحرب النووية مع الروس غير محتمل، ولن يفيد أحداً، وكذلك المواجهة العسكرية المفتوحة بين الولايات المتحدة وروسيا"، مشيراً إلى أن موسكو وحلفاءها يلوحون بالسيناريو النووي لردع الدول عن محاولة دعم أوكرانيا ومساندتها في مواجهة الغزو الروسي.
وأضاف ديفيد: "إن فرصة منع إيران من امتلاك سلاح نووي قد فاتت، وإنها تمكنت من زعزعة استقرار المنطقة وتعطيل حركة التجارة كما تشاء"، مؤكداً ضرورة النظر في إجراءات جديدة لكبح مخططات إيران التي وصفها بأنها تخطط لتحويل العراق إلى دولة خاضعة لها.
وفي سؤال عن إمكانية تحول الدعم الأمريكي لأوكرانيا لحرب مفتوحة بين واشنطن وموسكو، قال ديفيد: " هذا سيناريو غير محتمل، فالدعم الغربي -وليس الأمريكي فقط- لأوكرانيا، اقتصر على توفير الأسلحة والتدريب والمعلومات".
وأضاف: "لم يكن هناك جنود أمريكيون في أوكرانيا، ولم يتم إعلان منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، وروسيا تحاول التأكيد على أن لديها «مجال نفوذ» يشمل أوكرانيا، وبالتالي فإن المساعدة الغربية لأوكرانيا استفزازية، ومن الواضح أن أوكرانيا والغرب يرفضان هذا التلفيق".
وقال ديفيد أنه من غير المحتمل حدوث حربٍ نووية، حيث يثير المتعاطفون مع روسيا، وحتى روسيا نفسها، هذه الفكرة كوسيلة لردع الآخرين عن دعم أوكرانيا. لكن ليس هناك ما يشير إلى أن القوات النووية الروسية أو الأمريكية تستعد لهجوم، ولن تكون هناك أي فائدة من مثل هذه الحركة.
ماذا سيحدث إذا انجر العالم إلى حرب نووية؟
وضع العلماء عدداً كبيراً من السيناريوهات المحتمل حدوثها عند بدء حرب نووية، وتم إجراء عدة دراسات عن تأثير القنابل النووية على المناطق المتضررة والمحيطة بها.
وحول التداعيات المحتملة لتفجير الأسلحة النووية في حال اندلعت حرب نووية مستقبلا، نشرت مجلة "نايتشر فود" العلمية المتخصصة دراسة، الشهر الماضي، تضمنت أرقام إحصائيات وأرقاما مخيفة حول انعدام الأمن الغذائي العالمي والمجاعة، بسبب تراجع الإنتاج الزراعي ومصايد الأسماك البحرية وتقلص الثروة الحيوانية، بسبب اضطراب المناخ حال اندلاع حرب نووية.
وذكرت الدراسة، إن أكثر من 5 مليارات شخص يمكن أن يموتوا في حال اندلعت حرب نووية بين الولايات المتحدة وروسيا، وأكثر من ملياري شخص يمكن أن يموتوا في حين اندلعت الحرب بين الهند وباكستان.
وأشارت الدراسات إلى أن التسمم بالإشعاع النووي يؤدي إلى أعراض شديدة، من بينها القيء والنزيف المستمران، والإصابة بالإسهال الذي غالباً ما يكون دموياً، إلى جانب احتراق الجلد إلى حد تساقط طبقة جلد المصاب وهو على قيد الحياة، وهو ما يجعل الموت بالإشعاع النووي من بين أكثر الأمور بشاعة، التي يتعرض لها الإنسان.
وخارج دائرة الانفجار النووي، ستمتد آثار الانفجار إلى نطاق قطره 17 ميلاً مربعاً، وينتظر أن تحدث انهيارات عدة، تصل إلى تسوية مبانٍ بالأرض، ما سيهدد حياة الموجودين بالطبع، وسيصاب كل من يكون في نطاق قطره 33 ميلاً بحروق من الدرجة الثالثة وتشوهات شديدة وعدم القدرة على استخدام أطرافهم وبترها أحياناً.
أما النطاق الأوسع، فيمتد على مساحة 134 ميلاً مربعاً تتأثر فيه النوافذ والمنازل، ما يعرض السكان لخطر الموت أو الإصابة، كما ستنقل الرياح المواد الملوثة بالإشعاع النووي إلى مناطق بعيدة لا يمكن التنبؤ بها، وتصيب المواطنين بأمراض لا حصر لها.
وقال أستاذ العلوم البيئية في جامعة روتجيرز الأميركية، ألان روبوك، والذي درس لأعوام النتائج المحتملة للحروب النووية، أن أسوأ الانعكاسات بعيدة المدى هي الدخان الأسود والغبار والجزيئات المختلفة، التي سيحملها الهواء.
وأوضح روبوك أن استهداف المدن والمناطق الصناعية سيؤدي إلى انبعاث كم هائل من الأدخنة نتيجة الحرائق، وستحيط تلك الأدخنة بكوكب الأرض عبر تركزها في الغلاف الجوي، وبتمددها حول العالم ستحجب أشعة الشمس عن أجزاء كبيرة من العالم، ما يؤثّر في الإنتاج الزراعي في العالم ويهدد بحدوث مجاعة خلال أعوام.
وبحسب العلماء، فإن انبعاث ما يتراوح بين 5 إلى 50 مليون طن من الأدخنة السوداء يؤدي إلى دخول العالم حالة "الخريف النووي"، أما إذا زادت الانبعاثات بما يصل إلى 150 مليون طن من الأدخنة، التي تُعدّ كافية لدخول العالم مرحلة "الشتاء النووي"، فيقول العالم روبوك إن ذلك يعني مصرع جميع من على الأرض.