تأملات في الفوائد المدهشة لوجود اختلاف بين البشر للدكتور زهير المزيدي
تأملتُ "الاختلاف" فيما بين البشر، ذلك إن اختلاف التفاسير والرؤى يمنح سعة، فلا تضطر لإعتماد ما لا يستقيم "وظرفك"، وتلك سعة الرحمة من الله، ﴿ وَلَو شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُم عَلَى الهُدى فَلا تَكونَنَّ مِنَ الجاهِلينَ﴾.
إذ جعل اختلاف الآراء والتفاسير حتى فيما بين الفقهاء والقضاة سعة، غير إن البعض يغفل حين يقعّد للوئام والانسجام، كما لو أضحى الأمر معادلات رياضية، فلو مازج معادلاته الرياضية تلك بمسار الحكمة لإتزن الذي يطرحه، فالاستعانة "بالحكمة" يمضى في خطوط لا تلتقي ومنطق الأحداث، أو بما نطالعه من صور، ولنا في حادثة الحديبية مثالاً، ذلك إن ظاهر الحدث يؤكد من أن مجرد القبول بالمعاهدة يعني تراجعاً عن الوعد بأداء نُسك العمرة، وكذلك تراجعاً للحق الذي انبرى له المسلمون، غير أن مآل مسار الحكمة بالتوقيع نتج عنه "فتح مكة".
ونجد في فتح خيبر إذ الصحابة، وقد اختلفوا في تنفيذ أمر الرسول ﷺ في صلاة العصر، فصلى البعض في موعدها قبل وصولهم لخيبر وصلى الآخرون في خيبر - العصر - بعد دخول وقت المغرب، فلم يعارض الرسول ﷺ كلا الفريقين، وتلك هي مساحة السعة التي تمنحها الحكمة حين تختلف الآراء والتفاسير.
ويعزز القرآن أمر الحكمة في حل الخلافات إذ قال تعالى: ﴿وَلَمّا جاءَ عيسى بِالبَيِّناتِ قالَ قَد جِئتُكُم بِالحِكمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعضَ الَّذي تَختَلِفونَ فيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطيعونِ﴾، ذلك إن "الحكمة" ليست أمراً عقلياً بحتا، ولا تبدو منطقية المسار الذي تنتهجه في لحظتها، ولكن يظهر للعيان منطقية ما كانت تدعو إليه بعد انجلاء الحدث، فهي إلهام يقذفه الله تعالى في القلب، وعلى قدر سعة اطلاعك وعلاقتك بالله وتفويضك له - لأن يريك الحق لاتباعه - تكون الحكمة، فهي كما لو كانت حبل ممتد نحو الأقدار التي خُطّت في اللوح المحفوظ.
لذا شُرّعت الاستخارة لتستعين بتلك الحبال ليهبك الله ويلهمك المسار الحكيم، وقد جاء في القرآن : ﴿يُؤتِي الحِكمَةَ مَن يَشاءُ وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوتِيَ خَيرًا كَثيرًا وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُولُو الأَلبابِ﴾. أولئك هم أصحاب العقول التامة والكاملة التي تستضيء بنوره وتهتدي بهديه.