ارتفاع أسعار مياه القارورة في تركيا يتجاوز زيادات الغذاء والإيجار

ارتفاع أسعار مياه القارورة في تركيا يتجاوز زيادات الغذاء والإيجار
ارتفاع أسعار مياه القارورة في تركيا يتجاوز زيادات الغذاء والإيجار

ارتفاع أسعار مياه القارورة في تركيا يتجاوز زيادات الغذاء والإيجار

زيادة تتخطى 100% في عام واحد

وفق البيانات التي نقلها التقرير عن مؤسسات الإحصاء المحلية، فقد ارتفع متوسط سعر مياه القارورة (سعة 19 لترًا) بأكثر من 100% خلال عام واحد فقط. ففي حين كان السعر العام الماضي يتراوح بين 35 و40 ليرة تركية، فإن السعر الحالي تجاوز في بعض المدن الكبرى 80 إلى 90 ليرة، بل تخطى حاجز الـ100 ليرة في إسطنبول وأنقرة لدى بعض العلامات التجارية المعروفة.

وتشير هذه القفزة الحادة إلى أن قطاع المياه المعبأة لم يعد في مأمن من تقلبات السوق، بل أصبح أحد المؤشرات التي تعكس بدقة الأزمة التضخمية التي تمر بها البلاد. إذ تزايدت تكاليف النقل، والطاقة، والبلاستيك المستخدم في القوارير، فضلاً عن ارتفاع أجور العمالة، ما جعل الشركات تضطر إلى تمرير هذه الزيادات مباشرة إلى المستهلك النهائي.

 

أسباب الارتفاع: من الوقود إلى البلاستيك

يُرجع الخبراء الاقتصاديون الزيادة الكبيرة في أسعار مياه القارورة إلى سلسلة متشابكة من العوامل بدأت بتصاعد أسعار الوقود والطاقة بعد عام 2023. فالنقل يمثّل نسبة كبيرة من التكلفة النهائية، خصوصًا مع اعتماد شركات المياه على سيارات توزيع تغطي مناطق واسعة يوميًا. ومع ارتفاع أسعار البنزين والديزل بنسبة تجاوزت 70% خلال عام واحد، تضاعفت نفقات التشغيل.

كذلك ارتفعت أسعار البلاستيك الخام (PET) المستخدم في صناعة القوارير بسبب تقلب أسعار النفط عالميًا، مما زاد تكلفة الإنتاج. أما شركات التعبئة، فقد واجهت صعوبة في امتصاص هذه الزيادات دون تعديل الأسعار، خاصة مع ارتفاع فواتير الكهرباء والمياه الصناعية، وارتفاع ضريبة القيمة المضافة على بعض الخدمات اللوجستية.

تقول إحدى الشركات المحلية في تصريح لموقع Memurlar:

“لم يعد بإمكاننا الحفاظ على الأسعار القديمة لأن تكاليفنا ارتفعت في كل بند من بنود التشغيل، من الوقود إلى الأجور، وحتى تغليف الزجاجات. الزيادة الأخيرة لم تكن خيارًا بل ضرورة للبقاء في السوق.”

 

الزيادة تتفوّق على الأغذية والإيجارات

ما جعل هذا الارتفاع صادمًا هو أنه تجاوز نسب الزيادة في المواد الغذائية والإيجارات، وهما من أكثر البنود التي تضرّرت في تركيا خلال العامين الأخيرين. فوفق هيئة الإحصاء التركية (TÜİK)، ارتفعت أسعار الأغذية في أغسطس 2025 بنسبة 70% مقارنة بالعام السابق، بينما ارتفعت الإيجارات بنسبة تقارب 60%. لكن مياه القارورة قفزت بنحو 110% في المتوسط — ما جعلها الأسرع نموًا بين السلع الاستهلاكية الأساسية.

ويُعد هذا التحول لافتًا لأن الماء ظلّ لفترة طويلة من أرخص المشتريات اليومية، حتى في ظل الزيادات العامة في المعيشة. غير أن الاعتماد المتزايد على المياه المعبأة — خاصة في المدن الكبرى حيث تُثار المخاوف بشأن جودة المياه المنزلية — جعلها سلعة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.

 

تأثير مباشر على الأسر والمطاعم

في ظل هذه الزيادات، بدأت الأسر التركية تعيد النظر في استهلاكها اليومي. فبعض العائلات فضّلت العودة إلى أنظمة الفلاتر المنزلية أو شراء مياه الصنبور المكرّرة لتقليل الإنفاق الشهري. أما المقاهي والمطاعم والفنادق التي تعتمد على القوارير الكبيرة لتقديم المياه لزبائنها، فقد تأثرت بشدة، حيث ارتفعت تكاليف التشغيل لديهم بنسبة تتراوح بين 20 و30% في بعض الحالات.

يقول أحد أصحاب المقاهي في أنقرة:

“كنا نستهلك حوالي 15 قارورة يوميًا بسعر 40 ليرة لكل منها، الآن ندفع أكثر من 80 ليرة. لا يمكننا نقل الزيادة بالكامل إلى الزبائن لأن الأسعار في السوق مشتعلة بالفعل.”

ووفق تقديرات اتحاد أصحاب المحلات والمطاعم في تركيا، فإن كل ارتفاع بنسبة 10 ليرات في سعر القارورة يترجم إلى زيادة إضافية في تكاليف التشغيل الشهرية تقترب من 3 آلاف ليرة تركية للمحل الواحد في المدن الكبرى.

 

تزايد الطلب على البدائل محلية التصنيع

أدى الوضع الحالي إلى ظهور سوق بديلة تتمثل في شركات محلية صغيرة تُنتج فلاتر مياه منزلية بأسعار منخفضة، وتسوّقها على أنها “حل اقتصادي طويل الأجل”. كما زادت مبيعات الأجهزة الكهربائية المخصّصة لتصفية مياه الصنبور بنسبة 40% خلال النصف الأول من عام 2025، وفق بيانات السوق المحلية.

كذلك انتشرت تطبيقات إلكترونية لتوصيل المياه بأسعار مخفّضة أو بنظام الاشتراك الشهري، تحاول عبرها الشركات جذب الزبائن عبر الحسومات والتوصيل المجاني. إلا أن معظم المستهلكين يشتكون من عدم استقرار الأسعار، إذ ترتفع بشكل شبه شهري نتيجة تقلب تكاليف الوقود والطاقة.

 

نقاش عام حول “حق الماء” وضرورة الرقابة

تزايدت على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا دعوات إلى فرض رقابة أكبر على تسعير المياه المعبأة، باعتبارها سلعة حيوية لا ينبغي أن تُعامل كمنتج تجاري بالكامل. مستخدمو منصة “إكس” و”إنستغرام” عبّروا عن استيائهم، مؤكدين أن الوصول إلى مياه شرب آمنة يجب أن يكون حقًا أساسيًا وليس رفاهية.

وفي المقابل، ترد الشركات بأن فرض تسعيرة موحدة غير ممكن في ظل التكاليف التشغيلية المتغيرة، خصوصًا بين المدن الساحلية والداخلية. لكن بعض البلديات المحلية — مثل بلدية إسطنبول الكبرى — أعلنت نيتها دراسة نموذج الدعم أو المراقبة السعرية لتخفيف العبء عن المستهلكين ذوي الدخل المحدود.

 

الآفاق المستقبلية

يتوقّع خبراء الاقتصاد أن أسعار مياه القوارير ستستمر في الارتفاع حتى نهاية العام الجاري إذا لم تنخفض أسعار الطاقة والوقود. ومع اقتراب فصل الشتاء، يُتوقع أن يزيد الطلب قليلًا بسبب انخفاض استهلاك المشروبات الغازية، ما قد يحافظ على الأسعار عند مستوياتها المرتفعة.

لكن في المقابل، يمكن أن تؤدي الابتكارات في إعادة التدوير وتوسّع الشركات الصغيرة إلى خفض التكلفة تدريجيًا على المدى الطويل. ويرى بعض المحللين أن دخول شركات توزيع جديدة قد يخلق منافسة تحدّ من تضخم الأسعار.

 

الارتفاع الكبير في أسعار مياه القارورة في تركيا لم يعد مسألة هامشية، بل أصبح رمزًا دقيقًا للأزمة الاقتصادية العامة التي تمس المواطن في تفاصيل حياته اليومية. فحين يصبح الماء — أبسط احتياجات الإنسان — من أكثر السلع تضخمًا، فإن الأمر لا يعبّر فقط عن ارتفاع التكاليف، بل عن التحوّلات العميقة في نمط المعيشة، والثقة في البنية التحتية، وحتى في علاقة المستهلك بالسوق.

مشاركة على: